الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
350 322 - وأما حديثه عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين .


فإن العلماء قديما وحديثا اختلفوا في المسافر يصلي وراء مقيم .

8190 - فقال مالك ، وأصحابه : إذا لم يدرك معه ركعة تامة صلى ركعتين ، وإن أدرك معه ركعة بسجدتيها صلى أربعا .

8191 - وهو معنى قول الأوزاعي .

8192 - وذكر الطحاوي أن أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمدا ، قالوا : يصلي صلاة مقيم وإن أدركه في التشهد .

8193 - قال : وهو قول الليث ، والشافعي ، والأوزاعي .

8194 - وذكر الطبري ، قال : حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه ، عن الأوزاعي فيمن صلى من المسافرين مع الحضري ركعة أو ركعتين ، ثم عرض له رعاف فقطع صلاته ، قال : يبني على صلاة مقيم حتى يكمل أربعا . قيل : له فإنه صلى [ ص: 117 ] صلاة مسافر في بيته ، ثم دخل المسجد فوجدهم في تشهد تلك الصلاة الآخر ، فجلس معهم . قال : لا يعتد بما أدرك من الجلوس معهم ; لأنه لم يدرك الركعة معهم وقد أجزأت عنه صلاته التي صلى في بيته .

8195 - قال : وقال الأوزاعي في مسافر أراد أن يصلي المكتوبة ركعتين فسها حتى صلى ثلاثا ، قال : ليكمل أربع ركعات .

8196 - وأما الشافعي فلم يختلف في قوله : إن كل مسافر دخل في صلاة مقيم قبل أن يسلم المقيم منها ، لزمه إتمامها ولا يراعي إدراك الركعة ; لإجماعهم على أن من نوى في حين دخوله في الصلاة الإتمام لزمه ; فكذلك من دخل مع مقيم في صلاته .

8197 - وحجة قول مالك أن المسافر سنته ركعتان ، ومن لم يدرك ركعة من الصلاة فهو في حكم من لم يدرك شيئا منها ، والمسافر إذا لم يدرك شيئا من صلاة المقيم صلى ركعتين بإجماع .

8198 - واختلف الفقهاء في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعة أو أكثر ، أو يدركه في التشهد فيصلي معه ، ثم يعرض له ما يفسد صلاته من حدث أو غيره ماذا يقضي وماذا عليه أن يصلي ؟

8199 - فأما مالك فقال : من أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر لزمه الإتمام ، ومن لم يدركها فصلاته ركعتان . فعلى هذا يلزمه أن يصلي أربعا إذا صلى مع المقيم ركعة ثم فسدت عليه صلاته ، وإن لم يدرك معه ركعة رجع إلى عمل صلاته ركعتين .

8200 - وقال الشافعي ، وأصحابه : يصلي أربعا فإنه قد لزمه بدخوله الإتمام في صلاة المقيم أربعا ، ويصح لهم الدخول عندهم .

[ ص: 118 ] 8201 - وهو قول الحسن بن حي .

8202 - وقال أبو حنيفة وأصحابه في المسافر يدخل في صلاة مقيم ، ثم يقطعها : يصلي صلاة مسافر ; لأنه إنما يصلي وراءه أربعا اتباعا له ، فإذا لم يكن خلف مقيم لم يصل إلا فريضة ركعتين .

8203 - وقال أبو ثور : في هذه المسألة قولان .

8204 - أحدهما : أنه لما دخل مع المقيم وجب عليه ما وجب على المقيم ، فلما أفسدها وجب عليه أن يأتي بما وجب عليه من الإتمام .

8205 - والآخر : أنه لما أفسدها رجع إلى ما كان عليه في الابتداء من الخيار في الإتمام أو التقصير .

8206 - وأما من نسي صلاة في حضر فذكرها في سفر ، أو نسيها في السفر فذكرها وهو مقيم ، فقد تقدم القول في ذلك في صدر هذا الكتاب ، حيث ذكره مالك - رحمه الله - في موطئه وذلك في باب جامع الوقوت ، لكن لم يذكر منها هناك إلا وجها واحدا ، فنذكر هاهنا ما للفقهاء من المذاهب ليتم فائدتها .

8207 - قال مالك وأصحابه : من نسي صلاة ، أو فاتته في السفر ، فلم يذكرها إلا مقيما ، قصرها ، وإن سافر بعد خروج الوقت ولم يصل صلاة الوقت في الحضر ، صلاها مسافرا صلاة مقيم كما لزمته إنما يقضي ما فاته على حسب ما فاته . وهو قول أبي حنيفة والثوري .

8208 - وقال الأوزاعي ، والشافعي ، وعبد الله بن الحسن ، والحسن بن صالح ، وأحمد بن حنبل : يصلي في المسألتين جميعا صلاة حضر .

8209 - وقد كان الشافعي يقول ببغداد مثل قول مالك ، ثم رجع بمصر إلى ما ذكرنا عنه وهو تحصيل مذهبه . [ ص: 119 ] 8210 - وقال الحسن البصري ، وطائفة من البصريين : من نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر صلاها سفرية ، ومن نسيها في السفر وذكرها في الحضر صلاها حضرية أربعا ; لأنها لا تجب عليه إلا في الحين الذي يذكرها فيه ، كما لو ذكرها وهو مريض ، أو ذكرها وهو في صحة وقد لزمته في مرضه صلاها على حاله .

وبهذا قال ابن علية ، وابن المديني ، والطبري .

التالي السابق


الخدمات العلمية