الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
355 326 - وأما حديث مالك في هذا الباب عن عمرو بن يحيى ، عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو على حمار ، وهو متوجه إلى خيبر .

[ ص: 124 ] 327 - وحديثه عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على راحلته في السفر حيث توجهت به .

8224 - وكان ابن عمر يفعله .


8225 - لم يذكر مالك - رحمه الله - في حديثه هذا أنه كان ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - تطوعا فذي غير المكتوبة .

8226 - وقد ذكره موسى بن عقبة ، وشعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن عمر .

8227 - وذكره ابن شهاب ، عن أبيه ، عن سالم .

8228 - ورواه القاسم بن محمد ، ونافع ، عن ابن عمر ، كلهم يذكر فيه التطوع . وهذا أمر لا خلاف فيه والحمد لله .

[ ص: 125 ] 8229 - وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجوز أن يصلي أحد فريضة على الدابة في غير شدة الخوف . فكفى بهذا بيانا وحجة .

8230 - وقد ذكرنا الآثار بما وصفنا بالأسانيد في كتاب التمهيد .

8231 - وأما قول الشيخ - رحمه الله - أن عمرو بن يحيى قد انفرد بذكر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحمار في السفر ، فإنما قال ذلك ; لأن المعروف المحفوظ في حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي النافلة في السفر على راحلته ، لا على الحمار حيث توجهت به .

8232 - وهذا إنما أنكر العلماء منه اللفظ دون المعنى ، ولا خلاف بين الفقهاء في جواز صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت براكبها في السفر .

8233 - وقد ذكرنا في التمهيد حديث جابر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي أين ما كان وجهه على الدابة .

8234 - عن الحسن البصري ، قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلون [ ص: 126 ] في أسفارهم على دوابهم أينما كانت وجوههم .

8235 - وهذا أمر مجتمع عليه ، لا خلاف فيه بين العلماء كلهم في تطوع المسافر على دابته حيث توجهت به للقبلة وغيرها ، يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع ، ويتشهد ويسلم وهو جالس على دابته وفي محله .

8236 - إلا أن بينهم جماعة يستحبون أن يفتتح المصلي صلاته إلى القبلة في تطوعه على دابته محرم بها وهو مستقبل القبلة ، ثم لا يبالي حيث توجهت به .

8237 - ومنهم من لم يستحب ذلك ، وقال : كما يجوز أن يكون في سائر صلاة إلى غير القبلة عامدا وهو عالم بذلك ، فكذلك يجوز افتتاحها إلى غير القبلة .

8238 - وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه .

8239 - وذهب الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور إلى القول الأول .

8240 - واحتج بعضهم بحديث الجارود بن أبي سبرة ، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع ، استقبل بناقته القبلة ، فكبر ، ثم صلى حيث [ ص: 127 ] وجهه ركابه .

8241 - وقد ذكرنا إسناده في التمهيد .

8242 - وقال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، هكذا ينبغي أن يفعل من يتنفل على راحلته في السفر .

8243 - وكان عبد الله بن عمر يقول في قول الله تعالى : " فأينما تولوا فثم وجه الله " [ البقرة : 115 ] أنها نزلت في صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره التطوع على الراحلة .

8244 - وهو تأويل حسن للآية ، تعضده السنة .

8245 - وفي الآية قولان غير هذا :

8246 - أحدهما : أنها نزلت في قول اليهود في القبلة .

8247 - والآخر : أنها نزلت في قوم كانوا في سفر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة ظلماء ، فلم يعرفوا القبلة واجتهدوا و صلوا إلى جهات مختلفة ، ثم بان لهم فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله - عز وجل - " فأينما تولوا فثم وجه الله " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مضت صلاتكم .

8248 - واختلف الفقهاء في المسافر سفرا لا يقصر فيه الصلاة ، هل له أن يتنفل على راحلته ودابته أم لا ؟ [ ص: 128 ] [ ص: 129 ] 8249 - فقال مالك ، وأصحابه : لا يتطوع على الراحلة إلا في سفر يقصر في مثله الصلاة .

8250 - وحجتهم في ذلك أن الأسفار التي حكى ابن عمر وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى فيها على راحلته تطوعا كانت مما تقصر فيها الصلاة ، فكأن [ ص: 130 ] الرخصة خرجت على ذلك فلا ينبغي أن تتعدى ; لأنه شيء وقع به البيان كأنه قال : إذا سافرتم مثل سفري هذا فافعلوا بفعلي هذا والله أعلم ; ولأن ترك القبلة لا يجوز للمصلي إلا بالإجماع أو سنة لا تتفدى .

8251 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والحسن بن حي ، والليث بن سعد ، وداود بن علي : لا يجوز التطوع على الراحلة خارج المصر في كل سفر قصير أو طويل ، ولم يراعوا مسافة قصر الصلاة .

8252 - وحجتهم أن الآثار الواردة بذلك ليس في شيء منها تحديد سفر ولا تخصيص مسافة ، فوجب امتثال العموم في ذلك .

8253 - وقال أبو يوسف : يصلي في المصر على الدابة أيضا بالإيماء لحديث يحيى بن سعيد ، عن أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء .

8254 - قال أبو عمر : ذكر مالك حديث يحيى بن سعيد هذا عن أنس ، فلم يقل فيه في أزقة المدينة بل قال فيه :

التالي السابق


الخدمات العلمية