الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
369 [ ص: 176 ] ( 11 ) باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي .

340 - ذكر فيه عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أقبلت راكبا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله يصلي للناس بمنى ، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد .

[ ص: 177 ] 341 - ثم أردفه بأنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان يمر بين يدي بعض الصفوف والصلاة قائمة .

8496 - قال مالك : وأنا أرى ذلك واسعا إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف .


8497 - قال أبو عمر : حديث ابن شهاب في هذا الباب خالف ابن عيينة مالكا في بعض ألفاظه ; فرواه عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عبد الله بن عباس ، قال : جئت أنا والفضل على أتان ورسول الله يصلي بعرفة [ ص: 178 ] فمررنا بين يدي بعض الصف ، فنزلنا وتركناها ترتع ، فلما دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

8498 - قال أبو عمر : قول مالك في هذا الباب مع ما ترجم به الباب يدل على أن في المشي بين يدي الصفوف خلف الإمام رخصة لمن لم يجد من ذلك بدا ، وغيره لا يرى بذلك بأسا لحديث ابن عباس هذا قوله : فمررت بين يدي بعض الصف فلم ينكر علي أحد .

8499 - وقد قدمنا أن الإمام سترة لمن خلفه ، فالماشي خلفه أمام الصف كالماشي خلفه دون الصف .

8500 - ويحتمل هذا أن يكون المار لم يجد بدا كما قال مالك ، ولكن الظاهر ما قدمنا في الباب قبل هذا من الآثار الدالة على أن الإمام سترة لمن خلفه .

8501 - وظاهرها يدل على أن الرخصة المترجم بها هذا الباب ليست في معنى التشديد في الباب قبله ، والآثار كلها دالة على ذلك .

8502 - ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رد البهيمة التي همت بالمرور بين يديه حتى ألصق منكبه بالجدار ، فمرت خلفه .

8503 - وقد استدل قوم بهذا الحديث على أن الحمار لا يقطع الصلاة وانفصل منهم مخالفهم في ذلك بأن قال : مرور الأتان كان خلف الإمام بين يدي الصف .

8504 - وفيه : إجازة شهادة من علم الشيء صغيرا فأداه كبيرا ، وهذا أمر لا خلاف فيه .

[ ص: 179 ] 8505 - وكذلك العبد يعلم في حال عبوديته ما يؤديه في حال الحرية .

8506 - والفاسق يعلم فسقه ما يشهد به في حال عدالته .

8507 - وهذا لا اختلاف فيه بين العلماء ، إلا أنهم اختلفوا لو شهد أحد هؤلاء بشهادة في الحال الأولى فردت ، ثم شهد بها في الحال الثانية .

8508 - فقال مالك : لا تقبل إذا ردت قبل .

8509 - وقال غيره : تقبل ; لارتفاع العلة التي لها ردت أولا .

التالي السابق


الخدمات العلمية