الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
512 28 - مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن قال : دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر . فقام يصلي العصر ، فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة ، أو ذكرها ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تلك صلاة المنافقين . تلك صلاة المنافقين . تلك صلاة المنافقين . يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس ، وكانت بين قرني الشيطان ، أو على قرن الشيطان ، قام فنقر أربعا . لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .


1022 - هذا الحديث يدل على أن الناس كانوا يتوسعون فيما وسع الله عليهم من سعة الوقت ، فقوم يصلون في أول الوقت ، وقوم يصلون في وسطه ، وقوم في آخره .

[ ص: 376 ] 1023 - وقد مضى في صدر هذا الكتاب أن آخر وقت الظهر عند طائفة العلماء منهم مالك وغيره هو أول وقت العصر بلا فصل ، وأن من أهل العلم من يجعل بينهما فصلا وإن قل ، منهم الشافعي .

1024 - وفي هذا الحديث دليل على استحباب أنس بن مالك تعجيل العصر ، وتفضيل أول الوقت فيها .

1025 - وأما قوله في صلاة المنافقين : إنها كانت عند اصفرار الشمس ; فذلك ذم منه لمن أخر صلاته ذاكرا إلى ذلك الوقت ، وتحذير من التشبه بأفعال المنافقين ، الذين كانوا لا يأتون الصلاة إلا كسالى .

1026 - وقد كان من أمراء بني أمية من لا يصلي إلا ذلك الوقت وبعده ، ولذلك قال حذيفة بن اليمان - رحمه الله - قال : كان المنافقون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسرون النفاق وأنتم تجهرون به .

1027 - وفي حديث أنس هذا دليل على أن قوله - عليه السلام : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " إنما ذلك لأصحاب الضرورات ، كما قال مالك ومن تابعه ، لا لأن لأحد أن يتعمد فيضع صلاته ذلك الوقت .

1028 - وقد مضى في أول هذا الكتاب في هذا المعنى ما يغني عن إعادته هاهنا .

1029 - وما أعلم حديثا أبين من الرد على إسحاق ، وداود في قولهما في حديث أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن [ ص: 377 ] تغرب الشمس فقد أدرك العصر " الحديث : إن ذلك لكل أحد من أصحاب الضرورات وغيرهم - من حديث أنس هذا من رواية يعلى بن عبد الرحمن ، وقد ذكرناه من طرق في " التمهيد " بألفاظ مختلفة ومعنى واحد ، وفيها عن العلاء أن الذي صلى معه الظهر يومئذ خالد بن عبد الله بن أسيد القشيري بالبصرة ، ثم دخل بأثر ذلك على أنس بن مالك فوجده يصلي العصر .

1030 - وقد حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن خالد بن خلاد قال : صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر يوما ، ثم دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه ( قائما يصلي العصر ، فقلنا : إنما انصرفنا الآن من الظهر مع عمر ، فقال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) يصلي هذه الصلاة هكذا فلا أتركها أبدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية