الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
399 372 - عن عبد الله بن دينار ، قال : رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى أبي بكر ، وعمر .


[ ص: 263 ] 8905 - قالوا : إنما الرواية لمالك وغيره عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أنه كان يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو لأبي بكر وعمر .

8906 - ففرقوا بما وصفت لك بين : يدعو لأبي بكر وعمر ، وبين : يصلي على أبي بكر وعمر ، وإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به - صلى الله عليه وسلم - من لفظ الصلاة عليه .

8907 - وكذلك روي عن عبد الله ابن عباس ، قال : لا يصلى على أحد إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر الناس يدعى لهم ، ويترحم عليهم .

8908 - ومعلوم أن ابن عباس قد يعلم أن الصلاة تكون الدعاء والرحمة أيضا .

8909 - وقد رد ابن وضاح رواية يحيى إلى رواية ابن القاسم ، فإنه روى رواية ابن القاسم عن سحنون ، وحدث بها عنه .

8910 - وكما رواه ابن القاسم كذلك رواه القعنبي ، وابن بكير ، ومن تابعهم في " الموطأ " وجعلها يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو لأبي بكر وعمر .

8911 - وهذا كله مذهب من لا يرى ألا يصلى على غير النبي - عليه الصلاة والسلام - .

[ ص: 264 ] 8912 - حدثنا أحمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن عبد الله بن يونس ، عن بقي بن مخلد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عثمان بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا عن النبي - عليه السلام - .

8913 - وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عثمان بن حكيم بن سهل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لا تنبغي الصلاة على أحد إلا على النبيين .

8914 - قال عبد الرزاق : وأخبرني الثوري ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن ثابت ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " صلوا على أنبياء الله ورسوله ، فإن الله بعثهم كما بعثني " .

8915 - وقد أجاز قوم الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 265 ] " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " ، قالوا : ومعلوم أن آل محمد غير محمد .

8916 - واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن أبي أوفى ، قال : كان الناس يأتون بصدقاتهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدعو لهم ، فجئت مع أبي بصدقته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اللهم صلى على آل أبي أوفى .

8917 - ففي هذا الحديث لفظ الصلاة على غير النبي - عليه السلام - .

8918 - قال أبو عمر : تهذيب هذه الآثار وحملها على غير التضاد والتدافع هو أن يقال : أما النبي - عليه السلام - فجائز أن يصلي على من شاء ; لأنه قد أمر أن يصلي على كل من يأخذ صدقته ، وأما غيره فلا ينبغي له إلا أن يخص النبي - عليه السلام - بالصلاة عليه كما قال ابن عباس ، فجائز أن يحتج في ذلك بعموم قوله تعالى : " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " [ النور : 63 ] .

8919 - والذي اختاروه في هذا الباب أن يقال : اللهم ارحم فلانا واغفر له ، ورحم الله فلانا وغفر له ورضي عنه ، ونحو هذا من الدعاء له والترحم عليه ، ولا يقال إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا صلى الله عليه ، إلا أنه جائز أن يدخل معه في ذلك آله ، على ما جاء في الأحاديث عنه - صلى الله عليه وسلم - : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، واللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، ولا يصلى على غيره بلفظ الصلاة ; امتثالا لعموم قول الله - عز وجل - " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم " [ النور : 63 ] في حياته وموته - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية