الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
400 [ ص: 266 ] ( 23 ) باب العمل في جامع الصلاة .

373 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين ، وبعد المغرب ركعتين في [ ص: 267 ] بيته ، وبعد صلاة العشاء ركعتين ، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين .


8920 - هكذا رواية يحيى عن مالك لم يذكر " في بيته " إلا بعد المغرب فقط ، وتابعه القعنبي على ذلك .

8921 - وقال ابن بكير في هذا الحديث : " في بيته " في موضعين : أحدهما في الركعتين بعد المغرب ، والأخرى في الركعتين بعد الجمعة في بيته .

8922 - وقال ابن وهب فيه : عن مالك " في الركعتين بعد المغرب والركعتين بعد العشاء " في بيته ، ولم يذكر انصرافه في الجمعة .

8923 - وقد تابعه أيضا جماعة من رواة " الموطأ " .

8924 - وقد اختلف في لفظ هذا الحديث أصحاب نافع ، واختلف فيه أيضا عن ابن عمر .

8925 - وقد ذكرنا ذلك كله مبسوطا في التمهيد .

8926 - وقد اختلفت الآثار ، وعلماء السلف في صلاة النافلة في المسجد ، وكرهها قوم لهذا الحديث ; ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى قوم يصلون بعد المغرب في المسجد ، فقال : " هذه صلاة البيوت " .

[ ص: 268 ] 8927 - ورخص فيها آخرون لحديث ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب ، حتى يتفرق أهل المسجد .

8928 - وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد .

8929 - والذي عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء ، إلا أنهم مجمعون على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا ، إلا المكتوبة .

8930 - وقد تقدم هذا الحديث فيما مضى من هذا الكتاب .

8931 - وأما قوله في هذا الحديث : وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين ، فإن الفقهاء اختلفوا في التطوع بعد الجمعة خاصة :

8932 - فقال الإمام مالك : ينبغي للإمام إذا سلم من الجمعة أن يدخل منزله ولا يركع في المسجد ، ويركع الركعتين في بيته إن شاء على حسب ما رواه في ذلك .

[ ص: 269 ] 8933 - قال مالك : وأما من خلف الإمام فأحب إلي أيضا أن ينصرفوا إذا سلموا ولا يركعوا في المسجد ، فإن ركعوا فذلك واسع .

8934 - وقال الشافعي : ما أكثر المصلي من التطوع بعد الجمعة ، فهو أحب إلي .

8935 - وقال أبو حنيفة : يصلي بعد الجمعة أربعا .

8936 - وقال في موضع آخر : وستا .

8937 - وقال الثوري : إن صليت أربعا أو ستا فحسن .

8938 - وقال الحسن بن حي : يصلي بعد الجمعة أربعا .

8939 - وقال أحمد بن حنبل : أحب إلي أن يصلي بعد الجمعة ستا ، فإن صلى أربعا فحسن لا بأس به .

8940 - وكل هذه الأقاويل مروية عن الصحابة قولا وعملا .

8941 - وقد ذكرنا ذلك كله عنهم بالأسانيد في التمهيد .

8942 - ولا خلاف بين متقدمي العلماء ومتأخريهم أنه لا حرج من لم يصل بعد الجمعة ، ولا من فعل من الصلاة أكثر أو أقل مما اختاره كل واحد منهم .

8943 - وأما قولهم في ذلك على الاختيار لا على غير ذلك .

8944 - واختار أكثر أهل العلم ركوع الركعتين بعد المغرب في البيت .

8945 - روى القعنبي عن سليمان بن بلال عن بلال ، عن ربيعة : أنه سمع السائب بن يزيد يقول : رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينصرفون من الصلاة بعد المغرب ، ولا يصلون حتى يصيروا إلى أهليهم ، وربما انصرفوا جميعا حتى ما يبقى في المسجد أحد .

8946 - وروى حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن العباس بن سهل بن سعد أن الناس كانوا على عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم .

[ ص: 270 ] 8947 - وروى الأعمش ، عن ثابت بن يزيد ، قال : رأيت زيد بن ثابت صلى الركعتين بعد المغرب في بيته .

8948 - وكان إبراهيم النخعي إذا صلى المغرب لم يركع إلا في بيته ركعتين .

8949 - وكان سعد بن إبراهيم لا يصلي الركعتين بعد المغرب إلا في بيته .

8950 - فهذا عمل الصحابة والتابعين بالمدينة .

8951 - وروى سفيان عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : صلاة السنة اثنتا عشرة ركعة .

8952 - وهذا محفوظ من حديث أم حبيبة عن النبي - عليه السلام - أنه قال : من صلى ثنتي عشرة ركعة بعد الفريضة ، وثابر عليها بني له بيت في الجنة : أربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر .

8953 - وفي حديث علي بن أبي طالب - رضي الله - عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، إلا أنه جعل موضع الركعتين بعد العشاء ركعتين قبل العصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية