الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
401 [ ص: 271 ] 374 - مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أترون قبلتي هاهنا ؟ فوالله ، ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم ، إني لأراكم من وراء ظهري " .


8954 - قال أبو عمر : دفعت طائفة من أهل الزيغ هذا الحديث ، وقالوا : كيف تقبلون مثل هذا وأنتم ترون ضده ؟ 8955 - فذكروا حديث أبي بكرة إذ ركع دون الصف ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته قال : " أيكم الذي ركع دون الصف " فقال : أبو بكرة : أنا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " زادك الله حرصا ولا تعد " .

8956 - وذكروا حديث حميد ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للرجل الذي دخل الصف ، وقد حفزه النفس فقال حين انتهى إلى الصف : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال : " من المتكلم . . . [ ص: 272 ] الحديث .

8957 - وذكروا مثل هذا من الأحاديث ، وقالوا : ألا ترون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم من الراكع دون الصف حتى استعلم ، ولا ومن المتكلم .

[ ص: 273 ] 8958 - قال أبو عمر : فالجواب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت فضائله تزيد في كل وقت إلى أن مات - صلى الله عليه وسلم - .

8959 - ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت عبدا قبل أن أكون نبيا ، وكنت نبيا قبل أن أكون رسولا .

8960 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : لا يقولن أحدكم : إني خير من يونس بن متى .

8961 - وقال له رجل : يا خير البرية ، فقال : ذاك إبراهيم .

8962 - وقال له آخر : يا سيد ابن السادة أو يا شريف ابن الشرفاء فقال : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . 8963 - وذلك قوله كله قبل أن تنزل عليه سورة " إنا فتحنا لك " [ الفتح : 1 ] فلما نزلت عليه وفيها " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " [ الفتح : 2 ] ولم يغفر لأحد قبله ما تقدم من ذنبه ، فلما كان ذلك قال حينئذ : أنا سيد ولد آدم ولا فخر .

8964 - وحينئذ قال والله أعلم : إني لأراكم من وراء ظهري .

8965 - فكانت فضائله - صلى الله عليه وسلم - تزيد ولا تنقص .

8966 - وقد تأول قوم أن " أرى " هنا بمعنى أعلم ، كما قال - عز وجل - حاكيا عن شعيب - عليه السلام - وكان أعمى - " إني أراكم بخير " [ هود : 84 ] .

8967 - وأرى بمعنى أعلم ، معلوم في لسان العرب ، فأراد بقوله أراكم : أعلم [ ص: 274 ] خشوعكم وتمام ركوعكم بما يخفى عنكم ويلقي الله في قلبي معرفة أحوالكم .

8968 - قال أبو عمر : هذه دعوى فيها تحديد لمخالفة الظاهر ، وغير نكير أن يكون ذلك برؤية العين كسائر ما أعطيه من خرق العادة وأعلام النبوة ، فيكون ذلك في آخر أمره ، فيكون قولنا على ظاهر ما قاله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان لا سبيل إلى كيفيته وهو علم من أعلام نبوته .

8969 - قال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : قول النبي - عليه السلام - : " أراكم من وراء ظهري " فقال : كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه .

8970 - قلت له : إن إنسانا هو في ذلك كغيره ، وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه وشماله ، فأنكر ذلك إنكارا شديدا .

8971 - قال أبو عمر : وصحيح قول أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يلتفت في صلاته .

8972 - وقد روى سفيان بن عيينة عن داود ، وحميد وابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى : " وتقلبك في الساجدين " [ الشعراء : 219 ] قال : كان النبي - عليه السلام - يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه .

8973 - وروى وكيع عن سفيان ، عن الليث ، عن مجاهد ، قال : كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه .

8974 - وخالف مجاهد في تأويل هذه الآية عكرمة وقتادة .

8975 - وقد ذكرنا ذلك في التمهيد ، والحمد لله .

[ ص: 275 ] 8976 - وذكر سنيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن أبي ذئب ، عن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأنظر إلى من ورائي كما أنظر إلى من أمامي ; فسووا صفوفكم ، وأحسنوا ركوعكم وسجودكم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية