الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
403 376 - وأما حديثه بعد هذا عن يحيى بن سعيد ، عن النعمان بن مرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما ترون في السارق ، والشارب ، والزاني ؟ وذلك قبل أن ينزل فيهم ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هن فواحش وفيهن عقوبة ، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ، قالوا : وكيف يسرق صلاته يا رسول الله ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .


8996 - هكذا الرواية في " الموطأ " أسوأ السرقة - بكسر الراء - والمعنى : أسوأ السرقة سرقة من يسرق صلاته .

8997 - وقد جاء في القرآن : " ولكن البر من آمن بالله " [ البقرة : 177 ] والمعنى : ولكن البر بر من آمن بالله .

8998 - ومن روى : أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته - بفتح الراء - يريد أسوأ [ ص: 282 ] السرقة فعلا الذي يسرق صلاته .

8999 - والسرقة جمع سارق مثل : الفاسق والفسقة ، والكافر والكفرة .

9000 - وهذا الحديث متصل ، ويستند من وجوه صحاح من حديث أبي سعيد الخدري ، وحديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : " أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته . . . . . الحديث ، سواء .

9001 - وفي حديث عمران بن حصين ، قال : ما تعدون الكبائر فيكم ؟ قالوا : الشرك والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، قال : هن كبائر وفيهن عقوبات . . . . وذكر [ ص: 283 ] الحديث .

9002 - وفي حديث مالك من الفقه : طرح العالم على المتعلم المسائل ليختبره بها .

9003 - وفيه : أن شرب الخمر والزنا فواحش ، والله - عز وجل - قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .

9004 - ومعلوم من قوله : " ما ترون في الشارب ؟ " أنه لم يرد شارب الماء ، وكذلك كل ما أباح الله شربه فلم يبق إلا أنه أراد شارب ما حرم الله عليه ، ولا يعلم شرب شرابا مجتمعا على تحريمه إلا الخمر ، وكل مسكر عندنا خمر .

9005 - وفيه دليل على أن الشارب يعاقب وعقوبته كانت مردودة إلى الاجتهاد ، فلذلك جمع عمر - رضي الله عنه - الصحابة فشاورهم في حد الخمر ، فاتفقوا على ثمانين ، فصارت سنة ، وعليها العمل عند جمهور فقهاء المدينة .

[ ص: 284 ] 9006 - وسيأتي بيان ذلك في موضعه من هذا الكتاب ، إن شاء الله .

9007 - وأما السرقة والزنا فقد أحكم الله الحد فيهما في كتابه على لسان نبيه مما لا مدخل للرأي فيه .

9008 - وفيه دليل على أن ترك الصلاة وترك إقامتها على حدودها من أكبر الذنوب .

9009 - ألا ترى أنه ضرب المثل لذلك بالزاني ، والسارق ، وشارب الخمر ؟ ! .

9010 - ومعلوم أن : السرقة ، والزنا ، وشرب الخمر ، من الكبائر .

9011 - ثم قال : شر السرقة .

9012 - وفي رواية مالك : وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته - يريد : وشر من ذلك كله من يسرق صلاته ، فلا يتم ركوعها ولا سجودها .

9013 - وقد مضى القول في تارك الصلاة فيما تقدم من هذا الكتاب .

9014 - وأما من لم يتم ركوعها ولا سجودها فلا صلاة له ، وعليه إعادتها ، وأقل ما يجزئه من ذلك أن يضع يديه على ركبتيه ويعتدل راكعا ، أقل ما يقع عليه اسم ركوع ويتمكن فيه .

9015 - وكذلك لا يجزئه في السجود أقل من وضع وجهه في الأرض ويديه متمكنا أقل ما يقع عليه اسم ساجد غير ناقر .

9016 - قرأت على أبي محمد قاسم بن محمد أن خالد بن سعد حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا بشر بن عمر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرنا سليمان الأعمش ، قال : سمعت عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود " .

[ ص: 285 ] 9017 - وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الملك بن بحر ، قال : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا ابن أخي جويرية ، قال : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، أنه رأى رجلا يصلي لم يقم ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته دعاه ، فقال له : مذ كم صليت هذه الصلاة ؟ قال : صليتها منذ كذا وكذا ، فقال حذيفة : ما صليت لله صلاة .

9018 - وقد أوضحنا ما للفقهاء من تسبيح الركوع والسجود والطمأنينة في ذلك ، في غير موضع ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية