الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
412 [ ص: 312 ] ( 24 ) باب جامع الصلاة .

385 - ذكر فيه مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي قتادة الأنصاري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها .


9164 - قد ذكرنا أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التمهيد ، وفي كتاب الصحابة أيضا .

[ ص: 313 ] 9165 - وأما معنى هذا الحديث : فمعناه أن حمل الطفلة أو الطفل على عنق المصلي ووضعها ورفعها لا يفسد ذلك كله صلاة المصلي ولا تضر ملامسته لها وضوءه ، وفي ذلك دليل على أن قول الله تعالى : " أو لامستم النساء " [ النساء : 43 ] لم يرد به الأطفال ولا من يلمس بغير شهوة : كالأم ، وسائر ذوات المحارم واللواتي لا ينبغي في لمسهن لذة .

9166 - وقد مضت هذه المسألة في الوضوء مجودة ، والحمد لله .

9167 - وقد روي عن مالك في ذلك روايتان :

9168 - إحداهما : أن ذلك كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة النافلة وأن [ ص: 314 ] مثل هذا الفعل غير جائز عنده في الفريضة . رواها أشهب عن مالك .

9169 - وقد روى أشهب أيضا وابن نافع ، عن مالك ، أنه سئل عن تأويل هذا الحديث ، فقال : ذلك عندي على حال الضرورة إذا كان الرجل لا يجد من يكفيه ، وأما لحب الولد فلا أرى ذلك .

9170 - ففي هذه الرواية لم يفرق بين فريضة ونافلة ، وأجازه للضرورة .

9171 - وحسبك بتأويل مالك في ذلك بهذا ، الدال على صحة قوله هذا أني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل في الصلاة المكتوبة مكروه .

9172 - وفي هذا ما يوضح لك أن هذا الحديث إما أن يكون في النافلة ، أو على ضرورة كما قال مالك ، وإما أن يكون منسوخا بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة بغيرها .

[ ص: 315 ] 9173 - وقد قال بعض أهل العلم : إن فاعلا لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا الحديث ، وإن كنت لا أحب لأحد فعله .

9174 - قال أبو عمر : ولو كان هذا الحديث عنده سنة ، وكان عنده لا مدفع فيه ما قال : وإن كنت لا أحب لأحد فعله ، بل كان ينبغي فعله تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففيه الأسوة الحسنة .

9175 - وقد ذكر أبو بكر الأثرم ، قال : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يسأل : أيأخذ الرجل ولده وهو يصلي ؟ قال : نعم . واحتج بحديث أبي قتادة هذا وغيره في قصة أمامة هذه .

9176 - وهذا يحتمل أن يكون الرجل يأخذ ولده مرة أو يدفعه أو يعمل من ذلك عملا لا يمنعه عن إكمال أحوال صلاته .

9177 - وقد أجمع العلماء على أن العمل الخفيف في الصلاة جائز ، وأن العمل الكثير الذي يبين به ترك الصلاة له لا يجوز ، وكذلك فهو مفسد للصلاة .

9178 - وقد يستدل على أن حمل الطفل في الصلاة خصوص للنبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 316 ] لأنه لا يؤمن من الطفل البول لحمله .

9179 - وقد روى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن سعيد المقبري ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي قتادة ، قال : بينما نحن ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر أو العصر حتى خرج علينا وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه ، فذكر الحديث .

9180 - وبان فيه أن ذلك في الفريضة لا في النافلة .

9181 - ومعلوم أن النافلة منه كانت في بيته ، لا حيث يراه أبو قتادة ومثله ، والله أعلم .

9182 - وقد ذكرنا رواية محمد بن إسحاق هذه ، وحديث الليث ، وابن عجلان ، وغيرهم بذلك في التمهيد .

[ ص: 317 ] 9183 - وذكرنا هناك أيضا حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اقتلوا الأسودين في الصلاة : الحية والعقرب " .

[ ص: 3018 ] 9184 - وحديث عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي والباب عليه مغلق فجئت واستفتحت ، فمشى ففتح لي ورجع إلى مصلاه .

9185 - وقال أحمد بن حنبل : ذكرت أن الباب كان في القبلة .

9186 - قال أبو عمر : كانت صلاته - تلك في بيته نافلة .

9187 - وذكرت أيضا في التمهيد حديث أنس ، قال : كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه في الأرض يبسط ثوبه ويسجد عليه .

9188 - وهذا كله يدل على أن العمل القليل في الصلاة مباح .

[ ص: 319 ] 9189 - وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما سمع - وهو في الصلاة - بكاء الطفل ، فتجوز في صلاته ، وخفف ، وقرأ بالسورة القصيرة .

9190 - وقد ذكرنا الخبر بذلك في التمهيد ، وكان رءوفا رحيما بالصبيان وغيرهم - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية