الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
413 386 - وأما حديثه بعد في هذا الباب عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا [ ص: 302 ] فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون .


[ ص: 321 ] 9191 - ففيه من الفقه شهود الملائكة للصلاة ، والأظهر أن ذلك في الجماعات ، ويحتمل الجماعات وغيرها ، والله أعلم .

9192 - ومعنى يتعاقبون : تأتي طائفة بإثر طائفة .

9193 - وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو بين رجلين ، مرة هذا ومرة هذا .

9194 - ومنه قولهم : الأمير يعقب الجيوش والبعوث أن يرسل هؤلاء وقتا شهرا أو شهورا وهؤلاء مثل ذلك بعدهم ; ليجهز أولئك ، فهذا هو التعاقب .

9195 - ومعنى الحديث : أن ملائكة النهار تنزل في صلاة الصبح ، فتحصي على بني آدم ، ويعرج الذين باتوا فيكم ذلك الوقت ، أي : يصعدون ، وكل من [ ص: 322 ] صعد في شيء فقد عرج ، ولذلك قيل للدرج العرج ، فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل فأحصوا على بني آدم وعرجت ملائكة النهار ، ويتعاقبون هكذا أبدا .

9196 - وفي الحديث أنهم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح الفجر ، وهو أكمل معنى من الحديث الذي روي أنهم يجتمعون في صلاة الفجر خاصة ، وأظن من مال إلى هذه الرواية احتج بقول الله - عز وجل - : " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " [ الإسراء : 78 ] ; لأن أهل العلم قالوا في تأويل هذه الآية : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، وليس في هذا دفع لاجتماعهم في صلاة العصر ; لأن المسكوت عنه قد يكون في معنى المذكور ويكون بخلافه .

9197 - وقد بان في حديث مالك هذا وهو من أثبتها أنهم يجتمعون في صلاة العصر أيضا ، وهي زيادة لها معنى قصر عنه من لم يأت به من الرواة ، وقد يحتمل أن يكون ذكر " وقرآن الفجر " [ الإسراء : 78 ] من أجل الجهر بالقراءة فيها ; لأن العصر لا تظهر فيها القراءة ، ومعنى " وقرآن الفجر " : أي قراءة الفجر .

9198 - وقد زدنا معنى هذا الحديث بيانا في التمهيد ، والحمد لله .

[ ص: 323 ] 9199 - وفي قوله : " أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون " ولم يذكروا سائر الأعمال ، دليل على فضل المصلين من هذه الأمة ، وأن الصلاة أفضل الأعمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية