الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
419 393 - مالك ، عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان : إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه ، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه ، قليل من يسأل كثير من يعطي ، يطيلون فيه الصلاة ويقصرون الخطبة ، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم ، وسيأتي على الناس زمان : قليل فقهاؤه ، كثير قراؤه ، يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده ، كثير من يسأل قليل من يعطي ، يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة ، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم .


9303 - فإن هذا الحديث قد روي عن ابن مسعود من وجوه متصلة حسان متواترة .

9304 - وفيه من الفقه : مدح زمانه ; لكثرة الفقهاء فيه وقلة القراء ، وزمانه هذا هو القرن الممدوح على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - .

9305 - وفيه : دليل على أن كثرة القراء للقرآن دليل على تغير الزمان وذمه لذلك [ ص: 346 ] 9306 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أكثر منافقي أمتي قراؤها " من حديث عقبة بن عامر وغيره .

9307 - وقال مالك - رحمه الله - : قد يقرأ القرآن من لا خير فيه ، والعيان في هذا الزمان على صحة معنى هذا الحديث كالبرهان .

9308 - وفيه : دليل أن تضييع حروف القرآن ليس به بأس ; لأنه قد مدح الزمان الذي تضيع فيه حروفه ، وذم الزمان الذي يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده .

9309 - وفيه : أن كثرة السؤال مذموم ، وأن كثرة السائلين وقلة المعطين لا يكون إلا في زمن مذموم ، وبضد ذلك مدح قلة السؤال وكثرة العطاء .

9310 - وفيه : أن طول الصلاة محمود ممدوح عليه صاحبه .

9311 - وأما من أم جماعة فقد أوضحنا السنة في إمامة الجماعة فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب ، والحمد لله .

9312 - وإذا كان من أتى الصلاة على ما ينبغي فيها محمودا عليها ، فبضد ذلك ذم من لم يتمها ومن لم يأت بها على كمالها مذموم على ذلك ، وقد جاء فيه الوعيد الشديد .

9313 - وأما قصر الخطبة فسنة مسنونة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بذلك ويفعله .

9314 - وفي حديث عمار بن ياسر : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقصر الخطبة [ ص: 347 ] وكان يخطب بكلمات طيبات قليلات ، وقد كره التشدق والتفيهق .

9315 - وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضا ; لطوله ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبره بعد حفظه له ، وذلك لا يكون إلا مع القلة .

9316 - وابن مسعود هذا هو القائل : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة ; مخافة السآمة علينا .

9317 - وأما تبدأة العمل الصالح على الهوى فهو النور والهدى ، وآفة العقل الهوى ، فمن علا على هواه عقله فقد نجا .

التالي السابق


الخدمات العلمية