الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
398 - مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء ، وقال : من كان يريد أن يلغط أو ينشد [ ص: 355 ] شعرا أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة .


9346 - هذا الخبر عند القعنبي ومطرف وأبي مصعب ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في المسجد . . . . الحديث . ورواه طائفة كما رواه يحيى .

9347 - فقد عارض هذا الخبر بعض الناس بحديث أبي هريرة ، أن حسان بن ثابت لما أنكر عليه عمر إنشاده الشعر في المسجد ، قال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك ، فسكت عمر .

9348 - وهذا محمله عندي أن يكون الشعر الذي ينشد في المسجد ما ليس فيه منكر من القول ولا زور ، وحسبك ما ينشد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

9349 - وأما ما كان فيه من الفخر بالآباء الكفار ، والتشبيب بالنساء وذكرهن على رؤوس الملأ ، وشعر يكون فيه شيء من الخنا ، فهذا كله لا يجوز في المسجد ولا في غيره ، والمسجد أولى بالتنزيه من غيره .

9350 - والشعر كلامه موزون فحسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، وقبيحه لا يزيده الوزن معنى .

[ ص: 356 ] 9351 - وقد قال : " إن من الشعر لحكمة " .

9352 - وروى الليث بن سعد ، قال : حدثني ابن العجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن تتناشد الأشعار في المسجد ، وعن البيع والشراء في المسجد .

9353 - ذكره أبو داود وغيره .

9354 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا الليث فذكره بإسناده .

9355 - وعلى ما ذكرنا ترتيب الآثار في إنشاد الأشعار في المسجد وبالله توفيقنا ، إلا أن الشعر وإن كان حسنا فلا ينبغي أن يكون إنشاده في المسجد إلا غبا ; لأن إنشاد حسان كذلك كان ، وأما الشعر القبيح وما لا حكمة فيه ولا علم فينبغي أن تنزه المساجد عن إنشاده فيها ، والقول في رفع الصوت يعني التلاوة أو ما يفيد علم الدين ، وفي اللفظ كالقول في إنشاد الشعر الذي لا خير فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية