الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
426 400 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب مكان كل عقدة عليه عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله ، انحلت عقدة ، فإن توضأ ، انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ، الحديث .


9408 - القافية : مؤخر الرأس وهو القذال ، وقافية كل شيء آخره ، ومنه قيل في أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - المقفى ; لأنه آخر الأنبياء ، ومنها أخذت قوافي الشعر ; لأنها أواخر الأبيات .

9409 - وأما عقد الشيطان على قافية رأس ابن آدم إذا رقد فلا يوصل إلى كيفية ذلك ، وأظنه كناية عن جنس الشيطان ، وتثبيطه للإنسان على قيام الليل وعمل البر .

[ ص: 368 ] 9410 - وقيل : إنها كعقد السحر من قول الله تعالى : " النفاثات في العقد " [ الفلق : 4 ] .

9411 - وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله تعالى يطرد به الشيطان بالتلاوة والذكر ، والأذان مجتمع عليه معلوم .

9412 - ويروى في آخر هذا الحديث : انحلت عقدتان كاللتين قبلهما ، ويروى عقدة .

9413 - ورواية يحيى : انحلت عقدة على لفظ الواحدة .

9414 - وقد زعم قوم أن قوله في هذا الحديث : أصبح خبيث النفس كسلان ، معارضة لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة وغيرها : لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ، وليقل لقست نفسي .

9415 - وليس في هذا شيء من المعارضة ، وإنما في حديث عائشة كراهية ; لإضافة المرء إلى نفسه لفظة الخبث .

9416 - كما روي عنه إذ سئل عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق ، وكأنه كره الاسم ، وقال : لينسك أحدكم عن ابنه .

9417 - وسيأتي القول في هذا الحديث ولفظه في كتاب العقيقة ، إن شاء الله .

9418 - وحديث أبي هريرة فيه الإخبار عن حال نفس من لم يقم إلى صلاته وضيعها حتى خرج وقتها ، والله أعلم .

9419 - وقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الصلاة فلم ير عليا ، فأقبل إلى بيته فألقاه نائما فنبهه وأهله وعاتبهما ، فقال له علي : يا رسول الله ، إنما أرواحنا بيد الله إذا نمنا يرسلها إذا شاء ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما وهو يقول : [ ص: 369 ] " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " [ الكهف : 54 ] .

9420 - قال أبو عمر : أما من كانت عادته القيام إلى صلاته المكتوبة أو إلى نافلته من الليل ، فغلبته عينه فقد جاء عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - يكتب له أجر صلاته ، ونومه صدقة عليه .

9421 - وقد قال الله - عز وجل - : " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى " [ الزمر : 42 ] .

9422 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله قبض أرواحنا ، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا " .

9423 - وفي هذا كله القدر البين والمخرج الواسع لمن غلبه نومه عن صلاته .

9424 - وقال له بلال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، فلم ينكر عليه .

9425 - ولم يبق بعد هذا من معنى هذا الباب إلا أنه ندب في قيام الليل وإلى الاستغفار بالأسحار ، وأقل أحواله أن يكون ندبا إلى أن يطلع الفجر على المؤمن إلا وقد ذكر الله وتأهب بالوضوء للصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية