الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
429 [ ص: 16 ] ( 2 ) باب الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين

403 - مالك ، عن ابن شهاب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة .

404 - مالك ، أنه بلغه أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك .

405 - وعن ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ، قال : شهدنا العيد مع عمر بن الخطاب فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال : " إن هذين يومان نهى رسول الله عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم . " وفيه : عن عثمان وعلي : أن كلا منهما صلى ثم انصرف فخطب .


9459 - ورواه معمر ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد : أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب فصلى قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ثم خطب . . . وذكر الحديث .

9460 - ولم يذكر مالك في هذا الحديث : بلا أذان ولا إقامة وقد أوضحنا في [ ص: 17 ] " التمهيد " معاني هذا الحديث .

9461 - فأما حديث ابن شهاب المرسل فيتصل معناه ويستند من وجوه من حديث ابن عباس .

9462 - وحديث جابر بن عبد الله ، وحديث ابن عمر ، وحديث البراء ، وحديث جندب بن عبد الله : كلهم رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي ثم يخطب في العيدين . وقد ذكرناها في الحديث الصحيح بالأسانيد في " التمهيد " .

9463 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثني أبي قال : حدثنا عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا بقي ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، وأبو أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة .

9464 - قال : وحدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن الحسن بن [ ص: 18 ] مسلم ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : شهدت العيد مع النبي ومع أبي بكر وعمر فبدأوا بالصلاة قبل الخطبة .

9465 - قال : وحدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ، قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، قال : ثم شهدنا العيد مع عثمان فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، قال : وشهدت العيد مع علي فبدأ بالصلاة قبل الخطبة .

9466 - قال : وحدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن ميسرة بن جميلة ، قال : شهدت العيد مع علي فلما صلى خطب ، قال : وكان عثمان يفعله .

9467 - قال : وحدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حميد ، عن أنس ، قال : كانت الصلاة في العيدين قبل الخطبة .

9468 - فهذا هو الصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الخلفاء الراشدين المهديين بعده أنهم كانوا يصلون قبل الخطبة في العيدين بلا أذان ولا إقامة .

[ ص: 19 ] 9469 - وعلى هذا فتوى جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق وهو مذهب مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وعبيد الله بن الحسن ، وعثمان البتي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عبيدة ، وداود ، والطبري . كلهم لا يرون في صلاة العيدين أذانا ولا إقامة ويصلون قبل الخطبة .

9470 - قال أبو عمر : قد اختلف في أول من خطب قبل الصلاة ، فقيل : عثمان بن عفان ، وهو الصحيح - إن شاء الله - عن عثمان ، لما :

9471 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الخشني ، قال : حدثنا ابن أبي عمر ، قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : كانت الصلاة يوم العيد قبل الخطبة فلما كان عثمان بن عفان كثر الناس فقدم الخطبة قبل الصلاة وأراد ألا يفترق الناس وأن يجتمعوا .

9472 - فإن قيل : قد روى مالك وغيره ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ، أنه قال : شهدت العيد مع عثمان بن عفان ، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب ، فقال : إن اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان . . . الحديث .

9473 - قيل له : الحديثان صحيحان ويصحح معناهما أن عثمان صلى ست سنين أو سبعا - كما في رواية مالك - ثم قدم الخطبة على ما في حديث يحيى بن سعيد ، وكذلك فعل في إتمام الصلاة في السفر بعد قصرها .

9474 - ومن الرواية عن عثمان أنه أول من قدم الخطبة قبل الصلاة : [ ص: 20 ] ما رواه حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يصلون يوم العيد ثم يخطبون ، فلما كان عثمان ورأى الناس يجيئون بعد الصلاة ، قال : لو حبسناهم بالخطبة فخطب ثم صلى .

9476 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان بن عفان .

9477 - قال عبد الرزاق : وأخبرنا ابن جريج ، قال : قال ابن شهاب : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية .

9478 - قال عبد الرزاق : وأخبرنا معمر : بلغني أن أول من خطب ثم صلى : معاوية .

9479 - وقد بلغني أيضا أن عثمان فعل ذلك ، وكان لا يدرك عامتهم الصلاة فبدأ بالخطبة حتى يجتمع الناس .

9480 - قال أبو عمر : قد روى ابن نافع ، عن مالك ، أنه قال : أول من قدم الخطبة في العيدين قبل الصلاة عثمان بن عفان .

9481 - قال مالك : والسنة أن تقدم الصلاة قبل الخطبة ، وبذلك عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان صدرا من خلافته .

[ ص: 21 ] 9482 - قال أبو عمر : أما قول من قال : أول من قدم الخطبة مروان ، فإنما أراد بالمدينة ، وهو عامل عليها لمعاوية .

9483 - ويدل على ذلك قول مروان لأبي سعيد الخدري إذ أنكر ذلك عليه : قد ترك ما هنالك يا أبا سعيد .

9484 - وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في " التمهيد " .

9485 - وذكرنا هناك اسم " أبو عبيد " ومن قال فيه : مولى ابن أزهر ومن قال فيه : مولى عبد الرحمن بن عوف .

9486 - والصحيح في الأذان في العيدين قول سعيد بن المسيب ، وابن شهاب ، وهما من أعلم الناس بالفقه ، وإماما الناس : معاوية أول من فعل ذلك ، وإنما مروان وزياد من أمرائه .

[ ص: 22 ] 9487 - وقول محمد بن سيرين : إن أول من فعل ذلك زياد - يعني عندهم بالبصرة - كقول من قال : أول من فعل ذلك مروان ، يعني بالمدينة .

9488 - وروى الليث قال : حدثني هشام ، عن سعد ، عن عياض بن عبد الله بن سعد ، أنه حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : خرجت مع مروان يوما إلى المصلى ويده في يدي ، فأراد أن يرقى المنبر قبل أن يصلي ، فجذبت بيده فقلت : صله قبل الخطبة ، فقال مروان : هذا أمر قد ترك يا أبا سعيد ، إنا لو فعلنا ما تقول ذهب الناس وتركونا ، وقد ترك ما تعلم ، فقلت : إذا لا تجدون خيرا مما أعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبدأ بالصلاة في هذا اليوم .

9489 - وأما قول ابن عمر في حديث مالك عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد ، في هذا الباب : أن هذين يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صومهما : يوم فطركم من صيامكم ، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم .

9490 - فلا خلاف بين العلماء في أن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى لا [ ص: 23 ] يجوز لهذا الحديث ، وما كان مثله لا لناذر صومهما ولا لمتطوع ولا لقاض فيهما أياما من رمضان .

9491 - وإنما اختلف العلماء في صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل يوم عرفة على ما نذكره عنهم في موضعه من كتاب الحج ، وكتاب الصيام إن شاء الله .

9492 - وفيه دليل على أن الضحايا نسك ، وأن الأكل مباح مندوب إليه ، وكذلك هدي التطوع إذا بلغ محله قال الله ، عز وجل : فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " [ الحج : 28 ] " و القانع والمعتر [ الحج 36 ] .

9493 - وأما قول عثمان في هذا الحديث : قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان - يعني الجمعة والعيد - فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له .

9494 - وقد روي عن علي بن أبي طالب معنى ما روي عن عثمان في ذلك .

9495 - ذكر علي بن المديني ، عن يحيى بن سعيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عيدين اجتمعا على عهد علي فخطبهم ، وقال : إن هذا يوم اجتمع فيه [ ص: 24 ] عيدان ونحن نصليهما جميعا ، ولكم رخصة أيها الناس فمن شاء جاء ، ومن شاء قعد .

9496 - وذكر علي بن المديني ، وابن أبي شيبة جميعا عن حفص بن غياث ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : اجتمع عيدان على عهد علي - رضي الله عنه - فصلى بهم العيد ، ثم قال : إنا مجمعون من شاء أن يشهد فليشهد . اللفظ لابن أبي شيبة .

9497 : وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، أنه قال : في يوم جمعة وعيد : من أراد أن يجمع فليجمع ، ومن أراد أن يجلس فليجلس .

9498 - قال أبو عمر : ذهب مالك - رحمه الله - في إذن عثمان - رضي الله عنه - فيما ذهب لأهل العوالي إلى أنه عنده غير معمول به .

9498 - ذكر ابن القاسم عنه أنه قال : ليس عليه العمل .

9500 - وذلك أنه كان لا يرى الجمعة لازمة لمن كان من المدينة على ثلاثة أميال ، والعوالي عندهم أكثرها كذلك ، فمن هنا لم ير العمل على إذن عثمان ورأى أنه جائز له خلافه باجتهاده إلى رؤى الجماعة العاملين بالمدينة بما ذهب إليه في ذلك .

9501 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأكثر أهل العلم : إن إذن عثمان كان لمن لا تلزمه الجمعة من أهل العوالي ; لأن الجمعة لا تجب إلا على أهل المصر عند الكوفيين .

[ ص: 25 ] 9502 - وأما الشافعي فتجب عنده على من سمع النداء من خارج المصر .

9503 - ولا يختلف العلماء في وجوب الجمعة على من كان بالمصر بالغا من الرجال الأحرار سمع النداء أو لم يسمعه .

9504 - قال أبو عمر : وقد روي في هذا الباب عن ابن الزبير ، وعطاء قول منكر أنكره فقهاء الأمصار ولم يقل به أحد منهم . 50 [ ص: 26 ] 9505 - وذلك أن عبد الرزاق روى عن ابن جريج ، قال : قال عطاء : إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما يصلي ركعتين فقط ولا يصلي بعدها حتى العصر .

9506 - قال ابن جريج ثم أخبرنا عند ذلك ، قال : اجتمع يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن ابن الزبير ، فقال ابن الزبير : عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا صلى ركعتين بكرة صلاة الفطر ثم لم يزد عليها حتى صلى العصر .

9507 - وروى سعيد بن المسيب ، عن قتادة ، قال : سمعت عطاء يقول : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فصلى العيد ، ثم لم يخرج إلى العصر .

9508 - قال أبو عمر أما فعل ابن الزبير وما نقله عطاء من ذلك وأفتى به على أنه قد اختلف عنه ، فلا وجه فيه عند جماعة الفقهاء ، وهو عندهم خطأ إن كان على ظاهره ; لأن الفرض من صلاة الجمعة لا يسقط بإقامة السنة في العيد عند أحد من أهل العلم .

9509 - وقد روى فيه قوم أن صلاته التي صلاها لجماعة ضحى يوم العيد نوى بها صلاة الجمعة على مذهب من رأى أن وقت صلاة العيد ووقت الجمعة واحد .

9510 - وقد أوضحنا فساد قول من ذهب إلى ذلك في باب المواقيت .

9511 - وتأول آخرون أنه لم يخرج إليهم ; لأنه صلاها في أهله ظهرا أربعا .

9512 - وهذا لا دليل فيه في الخبر الوارد بهذه القصة عنه .

[ ص: 27 ] 9513 - وعلى أي حال كان فهو عند جماعة العلماء خطأ ، وليس على الأصل المأخوذ به .

9514 - والأصل في ذلك ما ذكره علي بن المديني ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، سمع عبد العزيز بن رفيع ، قال : حدثني ذكوان أبو صالح : أن عيدين اجتمعا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم صلاة العيد ، وقال : إنكم قد أصبتم ذكرا وخيرا ، ونحن مجمعون إن شاء الله فمن شاء منكم أن يجمع فليجمع ، ومن شاء أن يجلس فليجلس .

9515 - وقد روي حديث عبد العزيز بن رفيع مسندا وإن كان ابن المديني قال : .

[ ص: 28 ] إن المرسل فيه عن عبد العزيز حديث شريف ، فالمسند ذكره أبو داود .

9516 - قال أبو عمر : قال حدثنا محمد بن المصلي ، وعمرو بن حفص ، قالا : حدثنا بقية ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة الضبي ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون .

9517 - وأسنده أيضا زياد بن عبد الله ، عن عبد العزيز بن رفيع ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري ، قال : حدثنا إبراهيم بن دينار ، قال : حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل ، عن أبي هريرة قال : حدثنا عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : اجتمعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد ويوم جمعة ، فقال لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان عيدكم هذا والجمعة ، وإني مجمع فمن أحب أن يشهد الجمعة منكم فليشهدها ، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بالناس " .

9518 - وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا عثمان بن المغيرة ، عن إياس بن أبي رملة الشامي ، قال : شهدت معاوية وهو [ ص: 29 ] يسأل زيد بن أرقم : هل شهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم واحد ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، فقال من شاء أن يصلي فليصل .

9519 - وقال علي بن المديني في هذا الباب غير ما حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد وذكر هذا الحديث عن أبي داود الطيالسي ، عن إسرائيل بإسناده مثله .

9520 - قال أبو عمر : ليس في شيء من آثار هذا الباب ما ذكرناه منها وما سكتنا عنه أن صلاة الجمعة لم يقمها الأئمة في ذلك اليوم ، وإنما فيها أنهم أقاموها بعد إذنهم المذكور عنهم ، وذلك عندنا لمن قصد العيدين غير أهل المصر ، والله أعلم .

9512 - ذكر ابن المديني عن جرير بن عبد الحميد ، أنه حدثه عن إبراهيم بن [ ص: 30 ] محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين وفي الجمعة : ب سبح اسم ربك الأعلى ، و هل أتاك حديث الغاشية ، وإذا اجتمع الجمعة والعيد قرأ بهما في الصلاتين جميعا .

9522 - قال أبو عمر : هذه الآثار كلها مرسلها ومسندها ليس في شيء منها أنه لم يصل بعد صلاة العيد شيئا إلا صلاة العصر .

9523 - وقد روي عن جماعة من التابعين منهم : أبو البحتري الطائي ، والشعبي : والنخعي ، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ، والحسن البصري ، وأبو إدريس الخولاني .

9524 - وهذه مسألة مثبتة عند الفقهاء على أصولهم فيمن تجب عليه الجمعة من الأحرار البالغين .

9525 - فقال ابن عمر ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، والحسن البصري ، ونافع مولى ابن عمر : تجب الجمعة على كل من كان بالمصر وخارجا عنه ممن [ ص: 31 ] إذا شهد الجمعة أمكنه الانصراف إلى أهله فآواه الليل إلى أهله .

9526 - وبهذا قال الحكم بن عيينة ، وعطاء بن أبي رباح ، والأوزاعي ، وأبو ثور .

9527 - وروي معنى هذا القول عن معاذ ، قال : ما كتبناه بإسناده في " التمهيد " ومثله عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان يأمر به .

9528 - وقال ربيعة ، ومحمد بن المنكدر : وإنما تجب الجمعة على من كان على أربعة أميال .

9529 - وذكر معمر ، عن هشام بن عروة ، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت : كان أبي من المدينة على ستة أميال أو ثمانية فربما شهد الجمعة وربما لم يشهدها .

9530 - وقال الزهري : ينزل إليها من ستة أميال .

9531 - وروي عن ربيعة أيضا أنه قال : إنما تجب الجمعة على من إذا سمع النداء وخرج من بيته أدرك الصلاة .

9532 - وقال مالك والليث : تجب الجمعة على أهل المصر على من كان منه على ثلاثة أميال .

9533 - وقال الشافعي : تجب الجمعة على من كان بالمصر وكذلك كل من يسمع النداء ممن كان خارج المصر .

9534 - وبه قال أحمد وداود .

9535 - وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص ، وابن المسيب .

9536 - وقال أبو حنيفة : على كل من كان بالمصر وليست على من كان خارج [ ص: 32 ] المصر يسمع النداء أو لم يسمعه .

9537 - وقد روي عن علي أنه لا جمعة ولا شريق - يعني العيد - إلا في المصر الجامع .

9538 - وقال أحمد بن حنبل : هو غير صحيح عن علي .

9539 - قال أبو عمر : هذا قول مالك والشافعي في هذا الباب بمعنى واحد ; لأن الصوت الندي قد يسمع من ثلاثة أميال .

9540 - وقد ذكره ابن عبدوس ، عن علي بن زياد ، عن مالك ، قال : عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء وذلك ثلاثة أميال ، ومن كان أبعد فهو في سعة إلا أن يرغب في شهودها .

9541 - وهذا أحسن الأقاويل في هذه المسألة وأصحها ، والله أعلم .

9541 م - وأما قول ابن عبيد : ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور فجاء يصلي ثم انصرف فخطب . فإن العيد إذا كان من السنة أن تقام الصلاة فيه دون إمام ، فالجمعة أحرى بذلك ; لأن صلاة الجمعة وصلاة العيد مما يقيمه السلطان للعامة .

9542 - وقد اختلف العلماء في إقامة الجمعة بغير سلطان .

9543 - قال مالك ، رحمه الله : لله - عز وجل - في أرضه على عباده فرائض لا يسقطها موت الوالي يعني الجمعة .

9544 - وهو قول الطبري إن الجمعة تجب إقامتها بغير سلطان كسائر صلوات الجماعة .

[ ص: 33 ] 9545 - وقال أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا تجزئ الجمعة إذا لم يكن سلطان .

9546 - وهو قول الأوزاعي في رواية عنه .

9547 - والجمعة عند هؤلاء كالحدود لا يقيمها إلا السلطان .

9548 - وقد روي عن محمد بن الحسن : أن أهل مصر لو مات واليهم لجاز لهم أن يقدموا رجلا يصلي بهم الجمعة حتى يقدم عليهم وال .

9549 - وقال أحمد بن حنبل : يصلون بإذن الوالي .

9550 - وقال دواد : الجمعة لا تفتقر إلى وال ، ولا إلى إمام ، ولا إلى خطبة ، ولا إلى مكان ، ويجوز للمنفرد عنده إذا لم يجد من يجمع معه أن يصلي ركعتين وتكون جمعة .

9551 - قال : ولا يصلي لعيد إلا ركعتين في وقت الظهر يوم الجمعة .

9552 - وقول داود هذا خلاف قول جميع فقهاء الأمصار ; لأنهم أجمعوا أن من شرط الجمعة : الإمام إلا فيما يفجأهم موت الإمام فيه ، وأن من شرطها الجماعة عند جمهورهم .

[ ص: 34 ] 9553 - وجمهورهم أيضا يقول : لا تكون إلا بخطبة ، واختلافهم في الوالي والمكان اختلاف كثير والله المستعان .

9554 - قال أبو عمر : لم يختلفوا أن الجمعة يقيمها السلطان ، وأن ذلك إليه سنة مسنونة ، وإنما اختلفوا عند نزول ما ذكرنا من موت الإمام أو قتله أو عزله والجمعة قد حانت .

9555 - فذهب أبو حنيفة ، وأصحابه ، والأوزاعي ، إلى أنهم يصلون ظهرا أربعا .

9556 - وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : يصلي بهم بعضهم بخطبة ويجزئهم .

9557 - وذكر أبو بكر الأثرم قال : حدثنا العباس بن عبد العظيم ; أنه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل قال ، قلت : فإن لم يكن إمام أترى أن يصلي وراء من جمع بالناس وصلى ركعتين ؟ .

9558 - فقال أليس قد صلى علي بن أبي طالب ، وعثمان محصور ! .

9559 - وقد ذكرنا في " التمهيد " من طرق أبي قتادة ، وعبيد الله بن عدي بن الخيار لعثمان - رضي الله عنه - وهو محصور : أنت إمام العامة ويصلي بنا إمام فتنة ؟

9560 - قال : صليا خلفه فإن الصلاة أحسن ما صنع الناس ، فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم .

9561 - وكان ابن وضاح يقول : إن الذي عنى به إمام فتنة هو عبد الرحمن بن عديس البلوي ، وهو الذي اختلف على عثمان بأهل مصر ، وكان ممن شهد [ ص: 35 ] بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية .

9562 - والوجه عندي في قوله : " إمام فتنة " أي إمام في فتنة ; لأن الجماعات والأعياد نظامها وتمامها الإقامة .

9563 - وقد صلى بالناس في حين حصار عثمان جماعة من الفضلاء الجلة منهم : أبو أيوب الأنصاري ، وطلحة ، وسهل بن حنيف ، وأبو أمامة بن سهل ، وغيرهم ، وصلى بهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - صلاة العيد فقط

9564 - وقال يحيى بن آدم : صلى بهم رجل بعد رجل .

9565 - وذكر الحسن الخولاني قال : حدثنا أبو حسن المسيب بن واضح قال : سمعت ابن المبارك يقول : ما صلى علي بالناس حين حوصر عثمان إلا صلاة العيد وحدها فقط .

9566 - وفي " التمهيد " من هذا المعنى زيادات ، وبالله التوفيق .

9567 - وذكر الخطيب البغدادي في " تاريخه الكبير " أخبرنا به شيخنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن عنه سماعا منه ، قال : حدثنا الحسن بن [ ص: 36 ] علي ، قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى ، قال : حدثنا إسحاق بن بشر ، قال : حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد الحماني ، قال : لم يزل طلحة يصلي بالناس وعثمان محصور أربعين ليلة حتى إذا كان يوم النحر صلى علي بالناس ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية