الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
30 [ ص: 390 ] 9 - باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم في الصلاة

33 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقرب مساجدنا ، يؤذينا بريح الثوم " .


[ ص: 391 ] 1086 - قد ذكرنا هذا الحديث متصلا مسندا في " التمهيد " من طرق شتى .

1087 - روى يحيى وجماعة : " مساجدنا " وروت طائفة : " مسجدنا " والمعنى واحد . و ( مساجدنا ) أعم . وإن كان الواحد من الجنس في معنى الجماعة ، و ( مساجدنا ) تفسير ( مسجدنا ) .

1088 - وفي بعض الآثار المسندة : " فلا يقربنا ولا يصلين معنا " وفي بعضها " فلا يغشانا في مساجدنا ، ولا يأتينا يمسح جبهته " .

1089 - وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي - عليه السلام - قال : " من أكل الثوم أو البصل أو الكراث فلا يقربنا في مساجدنا ، فإن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الآدميون " .

[ ص: 392 ] 1090 - وفي بعض الموطآت : مالك ، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا البصل من أجل أن الملائكة تأتيه ، ومن أجل أنه يكلم جبريل - عليه السلام - " .

1091 - رواه في الموطأ عبد الله بن يوسف التنيسي ، عن مالك ، ورواه إسماعيل بن أبي أويس عنه .

1092 - وفي هذا الحديث من الفقه إباحة الثوم لسائر الناس ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما امتنع من أكل الثوم والبصل لعلة ليست موجودة في غيره ، فصار ذلك خصوصا .

1093 - وفي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من أكله فلا يقرب هذا المسجد ; لأن قوله : " من أكل من هذه الشجرة " دليل على إباحة أكلها لا على تحريمها كما زعم بعض أهل الظاهر الذين يوجبون إتيان الجماعة فرضا ، ويمنعون من أكل الثوم والبصل ، ومن أكله لا يدخل المسجد لصلاة .

1094 - وفي ذلك دليل على أن شهود الجماعة ليس بفريضة ، ( خلافا أيضا لأهل الظاهر الذين يوجبونها ، ويحرمون أكل الثوم من أجل شهودها ) .

1095 - وقد ذكرنا من أكل الثوم من السلف في " التمهيد " على حسب ما بلغنا .

[ ص: 393 ] 1096 - واختلف العلماء في معان من هذا الحديث : 1097 - فقال بعضهم : إنما خرج النهي على مسجد النبي - عليه السلام - ( من أجل جبريل ونزوله فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

1098 - وقال الجمهور : حكم مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وسائر المساجد سواء .

1099 - قال أبو عمر : وملائكة الوحي وغيرها سواء ؛ لأنه قد أخبر أنه يتأذى منه بنو آدم ، وقال : يؤذينا بريح الثوم " ولا يحل إذا لجليس ولا لمسلم حيث كان .

1100 - وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث عمر قال : " أيها الناس إنكم تأكلون من شجرتين خبيثتين : البصل والثوم ، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع " .

1101 - ففي هذا الحديث أن الناس كانوا يأكلون الثوم والبصل ، وأنهم لم ينهوا عن أكلهما ، ولكنهم أبعدوا من المسجد من أجلهما .

[ ص: 394 ] 1102 - وفي حديث المغيرة بن شعبة وغيره : " فلا يقربنا حتى يذهب ريحهما " وذلك كله إباحة لأكلهما وللتأخر عن المسجد من أجل ذلك .

1103 - وفي حديث عمر أيضا ما يدل أن كل ما يتأذى به كالمجذوم وغيره يبعد عن المسجد .

1104 - وقد شاهدت شيخنا أبا عمر الإشبيلي أحمد بن عبد الملك بن هاشم ، أفتى في رجل شكاه جيرانه ، وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده - بأن يخرج عن المسجد ويبعد عنه ، فقلت له : وما هذا وقد كان في أدبه بالسوط ما يردعه ؟ فقال : الاقتداء بحديث النبي - عليه السلام - أولى ، ونزع بحديث عمر المذكور .

1105 - وروى ابن وهب ، عن مالك : أنه سئل عن آكل الثوم يوم الجمعة ، فقال : بئس ما صنع حين أكل الثوم وهو ممن يجب عليه حضور الجمعة .

1106 - وقال عنه ابن القاسم : الكراث كالثوم إذا وجد من ريحها ما يؤذيه .

1107 - وفي كون الخضر بالمدينة وإجماع أهلها على أنه لا زكاة فيها دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ منها الزكاة ولو أخذ منها الزكاة ما خفي عليهم ، فكانت الخضرة مما عفي عنه من الأموال ، كما عفي عن سائر العروض التي ليست للتجارة .

1108 - وسيأتي هذا المعنى في هذا الكتاب عند قوله - عليه السلام - " فيما سقت السماء العشر " إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية