الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
440 [ ص: 62 ] [ ص: 63 ] ( 11 ) كتاب صلاة الخوف [ ص: 64 ] [ ص: 65 ] ( 1 ) باب صلاة الخوف

414 - ذكر فيه مالك ، عن زيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، [ ص: 66 ] عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع ، صلاة الخوف ; أن طائفة صفت معه ، وصفت طائفة وجاه العدو . فصلى بالتي معه ركعة . ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم . ثم انصرفوا . فصفوا وجاه العدو . وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته . ثم ثبت جالسا ، وأتموا [ ص: 67 ] لأنفسهم ، ثم سلم بهم .

415 - وحديثه عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات الأنصاري ، عن سهل بن أبي حثمة بمعنى واحد في صلاة الخوف ، إلا أن في حديث يزيد بن رومان : وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم .

وفي حديث يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم ويسجد ، ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون .


9682 - وهذا ما بين الحديثين من الاختلاف .

9683 - وكان مالك يقول بحديثه عن يزيد بن رومان : أن الإمام ينتظر تمام [ ص: 68 ] الطائفة الثانية ويسلم بهم ، وهو قول الشافعي واختياره ، ثم رجع مالك عن ذلك إلى حديث يحيى بن سعيد عن القاسم : أن الإمام يسلم إذا أكمل صلاته ، ويقوم من وراءه فيأتون بركعة ويسلمون .

9684 - وقد زاد ابن القاسم في " الموطأ " في آخر حديث يحيى بن سعيد وقال مالك : هذا الحديث أحب إلي .

9685 - قال أحمد بن خالد : وبه قال جماعة أصحاب مالك إلا أشهب فإنه [ ص: 69 ] أخذ بحديث ابن عمر في صلاة الخوف .

9686 - ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم بن محمد القياس على سائر الصلوات في أن الإمام ليس له أن ينتظر أحدا سبقه بشيء ، وأن السنة المجتمع عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سلام الإمام .

9687 - وقول أبي ثور في ذلك كقول مالك سواء ; لحديث القاسم عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة .

9688 - وقال الشافعي : حديث يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات مسند والمصير إليه أولى من حديث القاسم ; لأنه موقوف .

9689 - قال : وهو أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله ، عز وجل .

9690 - ومن حجته أن الله - عز وجل - ذكر استفتاح الإمام ببعضهم لقوله : " فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم " [ النساء : 102 ] وذكر انصراف الطائفتين والإمام من الصلاة معا بقوله " فإذا قضيتم الصلاة " [ النساء : 103 ] ذلك للجميع لا للبعض ولم يذكر أن على واحد منهم قضاء .

9692 - قال : وفي الآية دليل على أن الطائفة الثانية لا تدخل في الصلاة إلا بانصراف الأولى لقوله : " ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا " [ النساء : 102 ] .

9693 - وفي قوله : " فليصلوا معك " دليل على أن الطائفة الثانية تنصرف ولم يبق [ ص: 70 ] عليها من الصلاة شيء يفعله بعد الإمام .

9693 - هذا كله نزع به بعض أصحاب الشافعي بالاحتجاج له على الكوفيين وغيرهم .

9694 - ولم يختلف قول مالك ، والشافعي ، وأبي ثور أن الإمام إذا قرأ في الركعة الثانية بأم القرآن وسورة قبل أن تأتي الطائفة الأخرى ، ثم أتته فركع بها حين دخلت معه قبل أن يقرأ شيئا أنه يجزئهم ، إلا أن الشافعي قال : إن أدركوا معهم ما يمكنهم فيه قراءة فاتحة الكتاب فلا يجزئهم إلا أن يقرؤها .

9695 - وقول أحمد بن حنبل في صلاة الخوف كقول الشافعي سواء على حديث سهل بن أبي حثمة .

9696 - ورواية يزيد بن رومان هو المختار عند أحمد .

9697 - وكان لا يعيب من فعل شيئا من الأوجه المروية في صلاة الخوف .

9698 - قال : ولكني أختار حديث سهل بن أبي حثمة ; لأنه أنكى للعدو .

9699 - وقال الأثرم : قلت له حديث سهل بن أبي حثمة تستعمله والعدو مستقبل القبلة وغير مستقبلها ؟ قال : نعم هذا أنكى لهم ; لأنه يصلي بطائفة ثم يذهبون ، ثم يصلي بأخرى ثم يذهبون .

9700 - واختار داود بن علي وأصحابه أيضا حديث سهل بن أبي حثمة من رواية يزيد بن رومان وغيره عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، كذلك رواه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، وكذلك رواه معاذ بن معاذ ، عن شعبة .

[ ص: 71 ] 9701 - وأما أبو حنيفة وأصحابه - إلا أبا يوسف - فإنهم ذهبوا إلى ما رواه الثوري وشريك وزائدة وابن فضيل ، عن خصيف ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بطائفة ، وطائفة مستقبلو العدو ، صلى بالذين وراءه ركعة وسجدتين وانصرفوا ولم يسلموا فوقفوا بإزاء العدو ، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم فصلى بهم ركعة ثم سلم ، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ، وذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي القبلة ، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ، ثم سلموا .

9702 - وروى أبو الأسود ، عن عروة بن الزبير ، عن مروان ، عن أبي هريرة قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف فذكر مثل حديث ابن مسعود سواء .

[ ص: 72 ] 9703 - واضطرب قول الثوري في هذا الباب على حسب ما ذكرته عنه في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية