الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
443 417 - وأما حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس .


9746 - فقد احتج بهذا من ذهب إلى أن صلاة الخوف تؤخر إذا لم يستطع عليها على وجهها إلى وقت الأمن والاستطاعة .

9747 - وهذا قول جماعة من فقهاء أهل الشام شذوا عن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم .

9748 - وقد بان فساد ما ذهبوا إليه بالحديث الثابت أن يوم الخندق قبل صلاة الخوف وقبل نزول الآية فيه .

9749 - حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا الميمون بن حمزة ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة ، قال : حدثنا إسماعيل بن يحيى المدني ، [ ص: 83 ] قال : حدثنا الشافعي ، قال : أخبرنا أحمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب .

9750 - وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم ، قال : حدثنا عمار بن عبد الجبار الخراساني ، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان هوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله - عز وجل - " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " [ الأحزاب : 25 ] قال : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا ، وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف ( فرجالا أو ركبانا ) [ البقرة : 239 ] .

9751 - ومعنى الحديثين سواء .

[ ص: 84 ] 9751 م - وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا هناد بن السري ، عن هشيم ، عن أبي الزبير ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، قال : قال عبد الله : إن المشركين شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات في الخندق ، فأمر بلالا فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء .

9752 - هكذا قال هشيم في هذا الحديث فأذن ثم أقام فصلى الظهر . فذكر الأذان للظهر وحدها .

9753 - وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن هشيم سواء ، وخالفه هشام الدستوائي ، فرواه عن أبي الزبير بإسناده ، وقال فيه : فأمر بلالا فأقام فصلى الظهر ، ولم يذكر أذانا للظهر ولا لغيرها ، وإنما ذكر الإقامة فيها وحدها .

9754 - ومعلوم أن الظهر والعصر والمغرب فوائت وأن العشاء صليت في وقتها .

9754 - وقد مضى القول في صدر هذا الكتاب في هذه المسألة ، وذكرنا اختلاف العلماء في الأذان للفوائت من الصلاة هناك ، فلا معنى لإعادته هنا .

9756 - وروى هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن [ ص: 85 ] جابر ، قال : جعل عمر بن الخطاب يسب كفار قريش يوم الخندق ويقول : يا رسول الله ، والله ما صليت العصر حتى غربت الشمس أو كادت تغيب . فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : والله ما صليتها فنزلنا معه إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا معه ، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب .

9757 - ففي هذا الحديث حديث جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما شغل يومئذ عن صلاة العصر .

9758 - وفي حديث أبي سعيد ، وابن مسعود أنه شغل يومئذ عن أربع صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء .

9759 - وفي مرسل سعيد بن المسيب أنه شغل يومئذ عن الظهر والعصر ، فالله أعلم أي ذلك كان .

9760 - وقد يحتمل أن يكون ذلك كله صحيحا ; لأنهم حوصروا في الخندق وشغلوا بالأحزاب أياما .

9761 - ومثل حديث جابر في ذلك حديث علي وهو حديث ثابت من طرق [ ص: 86 ] عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ، ملأ الله بطونهم وقلوبهم أو بيوتهم نارا " .

9762 - وممن رواه عن علي ، يحيى بن الخزاز ، وشتير بن شكل ، وزر بن حبيش ، والحارث الهمداني .

9763 - وقد ذكرناه من طرق في باب زيد بن أسلم من " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية