الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
447 [ ص: 116 ] ( 2 ) باب ما جاء في صلاة الكسوف

421 - ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ; أنها قالت : أتيت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خسفت الشمس . فإذا الناس قيام يصلون . وإذا هي قائمة تصلى . فقلت : ما للناس ؟ فأشارت بيدها نحو السماء وقالت : سبحان الله ! فقلت : آية ؟ فأشارت برأسها أن نعم . قالت : فقمت حتى تجلاني الغشي . وجعلت أصب فوق رأسي الماء . فحمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه ، ثم قال : " ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا . حتى الجنة والنار . ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال ( لا أدري أيتهما قالت أسماء ) يؤتى أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن ( لا أدري أي ذلك قالت أسماء ) فيقول ، هو محمد رسول الله . جاءنا بالبينات والهدى . فأجبنا ، وآمنا ، واتبعنا ، فيقال له : نم صالحا . قد علمنا إن كنت لمؤمنا . وأما المنافق أو المرتاب ( لا أدري أيتهما قالت أسماء ) فيقول : لا أدري . سمعت الناس يقولون شيئا ، فقلته .


[ ص: 117 ] 9884 - فيه من الفقه : أن كسوف الشمس يصلى له ، وقد تقدم بيان ذلك : والحمد لله .

9885 - وفيه أن الشمس إذا كسفت بأقل شيء منها وجبت الصلاة لذلك على سنتها .

9886 - ألا ترى إلى قول أسماء : ما للناس وأشارت لها عائشة بيدها نحو السماء ، فلو كان كسوفا بينا ما خفي عن أسماء ولا غيرها حتى تحتاج أن يشار إلى السماء ، وقد استدل على هذا الحديث بعض أصحابنا في سر القراءة في صلاة الكسوف .

9878 - وفيه : أن المصلي إذا كلم أشار وسبح ولم يتكلم ; لأن الكلام ممنوع منه في الصلاة .

9888 - وفيه : أن النساء يسبحن إذا نابهن شيء في الصلاة .

9889 - وذلك حجة لمالك على من قال : إن سنتهن التصفيق .

9890 - وقد مضى قوله ، صلى الله عليه وسلم : " من نابه شيء في صلاته فليسبح ، فإنما التصفيق للنساء " .

[ ص: 118 ] 9891 - وقوله ، صلى الله عليه وسلم : " التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء " في بابه من هذا الكتاب .

9892 - وفيه أن إشارة المصلي برأسه وبيده لا بأس بها .

9893 - وأما قولها : فقمت حتى تجلاني الغشي . بمعنى أنها قامت حتى غشي عليها .

9894 - وفي ذلك دليل على طول القيام في صلاة الكسوف .

9895 - وأما قوله : فحمد الله وأثنى عليه ، فذلك كان بعد الفراغ من الصلاة .

9896 - وقد تقدم في الباب قبل هذا اختلاف الفقهاء في الخطبة بعد صلاة الكسوف .

9897 - ومضى القول في رؤيته للجنة والنار بما يغني عن إعادته .

9898 - وأما قوله : إنكم تفتنون في قبوركم ، فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فالآثار بذلك متواترة ، وأهل السنة والجماعة - وهم أهل الحديث والرأي في أحكام شرائع الإسلام - كلهم مجمعون على الإيمان والتصديق بذلك ، إلا أنهم لا يتكلفون فيه شيئا ، ولا ينكره إلا أهل البدع .

9899 - روى شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن [ ص: 119 ] عازب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الأخرة " [ إبراهيم : 27 ] ، قال في القبر إذا سئل : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ .

9900 - ورواه الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء موقوفا .

9901 - وفي الحديث الطويل حديث الأعمش ، ويونس بن جناب ، عن ابن عمر ، وعن زاذان ، عن البراء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة المؤمن : من يعاد روحه إلى جسده وأنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ، ويدخل عليه ملكان فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : الإسلام ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : وأي رجل ؟ فيقولان : محمد . فيقول : أشهد أنه رسول الله ، فينهرانه ويقولان له : ما يدريك ؟ فيقول : إني قرأت كتاب الله فصدقت به وآمنت . قال : فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، وذلك قول الله ، عز وجل : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " [ إبراهيم : 27 ] وذكر الحديث .

9902 - وفيه في المنافق فينهرانه انتهارا شديدا ويقولان : من ربك ؟ وما دينك ؟ [ ص: 120 ] ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري . فيقولان : لا دريت ولا تليت وساق تمام الخبر .

9903 - وقد ذكرناه في " التمهيد " إلى آثار ثابتة صحاح وردت بمعناه والآثار الواردة أيضا بأن اليهود تعذب في قبورها .

9904 - كل ذلك ذكرناه هناك وأوضحنا الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر ، وأن الفتنة للمؤمن والعذاب للمنافق والكافر وأوردنا فيه من الآثار ما بان به ذلك . والحمد لله .

[ ص: 121 ] [ ص: 122 ] 9905 - وللفتنة وجوه في اللغة مذكورة هناك أيضا .

9906 - وفي قوله في حديث مالك مثل أو قرب من فتنة الدجال على أنهم كانوا يراعون الألفاظ في الحديث المسند ، وقد أفردنا لهذا المعنى بابا في كتاب " بيان العلم " وفضله وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك .

9907 - وأما مالك فكان لا يجيز الإخبار بالمعاني في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قدر على الإتيان بالألفاظ .

9908 - روى الحارث بن مسكين ، عن يوسف بن عمرو ، عن ابن وهب ، قال : سمعت مالكا سئل عن المسائل إذا كان المعنى واحدا والكلام مختلفا ، فقال : لا بأس به إلا الأحاديث التي عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

9909 - وأما قوله ، وأما المنافق والمرتاب فإنما هو شك من المحدث .

[ ص: 123 ] 9910 - وكذلك قالت فاطمة بنت المنذر : لا أدري أي ذلك قالت أسماء .

9911 - والمنافق كافر أظهر الإيمان ، واعتقد الكفر ، والمرتاب : الشاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية