الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
448 [ ص: 124 ] [ ص: 125 ] ( 13 ) كتاب صلاة الاستسقاء [ ص: 126 ] [ ص: 127 ]

( 1 ) باب العمل في الاستسقاء

422 - مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أنه سمع عباد بن تميم ، يقول : سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول ، خرج [ ص: 128 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة .


[ ص: 129 ] 9912 - هكذا روى مالك هذا الحديث بهذا الإسناد وهذا اللفظ لم يذكر فيه : الصلاة ، لم يختلف رواة " الموطأ " في ذلك عليه فيما علمت ، إلا أن إسحاق بن عيسى روى هذا الحديث عن مالك فزاد فيه : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالاستسقاء في الصلاة قبل الخطبة ولم يقل : حول رداءه .

9913 - ذكره النسائي في مسند حديث مالك ، عن زكريا بن يحيى ، عن مروان بن عبد الله ، عن إسحاق ، ولم يقل ذلك عنه أحد - فيما علمت - غيره .

9914 - ورواه سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، فذكر فيه الصلاة .

9915 - ورواه ابن شهاب ، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد ، عن عاصم الأنصاري المازني ، وذكرا فيه الصلاة .

[ ص: 130 ] 9916 - وقد ذكرنا الأحاديث بذلك من طرق في " التمهيد " .

9917 - وليس في تقصير من قصر عن ذكر الصلاة حجة على من ذكرها ، والحجة في قول من أثبت وحفظ ، ومن أحسن الناس سياقة لهذا الحديث : الزهري .

9918 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : أخبرنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عباد بن تميم ، عن عمه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يستسقي فاستقبل القبلة فصلى بهم ركعتين جهر فيهما بالقراءة وحول رداءه ورفع يديه واستسقى واستقبل القبلة .

9919 - وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عباد بن تميم ، عن عمه ، قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي فاستقبل القبلة وولى ظهره الناس وحول رداءه وصلى ركعتين وجهر بالقراءة .

9920 - أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عباد بن تميم ، عن عمه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى وصلى ركعتين وقلب رداءه .

[ ص: 131 ] 9921 - وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد - وهو القطان - عن يحيى بن سعيد - وهو الأنصاري - عن أبي بكر بن محمد بن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يستسقي فصلى ركعتين واستقبل القبلة .

9922 - وقال أبو عمر : أجمع العلماء على أن الخروج للاستسقاء والبروز عن المصر والقرية إلى الله - عز وجل - بالدعاء والضراعة في نزول الغيث عند احتياجه سنة مسنونة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعملها الخلفاء بعده .

9223 - واختلفوا في الاستسقاء في الصلاة .

[ ص: 132 ] 9924 - فقال أبو حنيفة : ليس في الاستسقاء صلاة ، ولكن يخرج الإمام بالناس ويدعون الله ، عز وجل .

9925 - وروي ذلك عن طائفة من التابعين منهم إبراهيم النخعي ، وغيره .

9926 - ذكر أبو بكر قال : حدثنا جرير بن المغيرة ، عن أسلم العجلي ، قال : خرج أناس يستسقون وخرج إبراهيم معهم ، فلما فرغوا قاموا يصلون فرجع إبراهيم ولم يصل معهم .

9927 - وحجتهم حديث مالك وما كان مثله لم يذكروا فيه الصلاة .

9928 - منها ما ذكره أبو بكر ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد ، قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقي فلما دعا يستقبل القبلة وحول رداءه . . . . لم يذكر صلاة مثل حديث مالك سواء .

9929 واحتجوا أيضا بأن عمر بن الخطاب خرج يستسقي فلم يصل .

9930 - ذكره أبو بكر قال : حدثنا وكيع ، عن عيسى بن حفص بن عاصم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب نستسقي فما زاد على استسقاء .

9931 - وقال حدثنا وكيع ، عن مطرف بن طريف ، عن الشعبي ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج يستسقي فصعد المنبر فقال : استغفروا الله ربكم إنه [ ص: 133 ] كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ، واستغفروا ربكم إنه كان غفارا . ثم نزل ، فقالوا : يا أمير المؤمنين لو استسقيت ؟ فقال لقد طلبته بمجاديح السماء الذي ينزل فيها القطر .

9932 - وروى سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا مطرف بن طريف ، عن الشعبي ، أن عمر خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال عمر : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي ينزل بها القطر ثم قرأ : " استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا " [ نوح : 12 ]

9933 - قال أبو عمر : ليس في هذا الحديث عن عمر أنه لم يصل ، ولا أنه لم ير الصلاة ، وإنما فيه صفة الدعاء في الاستسقاء ، وليس من لم يشهر حجة على من شهر وحفظ ، وقد روي عن عمر أنه خطب في الاستسقاء قبل الصلاة .

9934 وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وسائر فقهاء الأمصار : صلاة الاستسقاء سنة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة .

9935 - وقال الليث بن سعد ، الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة .

9936 - وقاله مالك ثم رجع عنه إلى أن الخطبة بعد الصلاة كالعيدين ، وعليه [ ص: 134 ] جماعة الفقهاء .

[ ص: 135 ] 9937 - وقال مالك ، والشافعي : يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين يفصل بينهما بالجلوس .

9938 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : يخطب خطبة واحدة .

9939 - وقال عبد الرحمن بن مهدي : يخطب خطبة خفيفة يعظهم ويحثهم على الخير .

9940 - وقال الطبري : إن شاء خطب واحدة ، وإن شاء اثنتين .

9941 - وقال الشافعي ، والطبري : يكبر في صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد .

9942 - وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم .

9943 - وقال داود : إن شاء كبر كما يكبر في العيدين ، وإن شاء كبر تكبيرة واحدة كما يكبر في سائر الصلوات تكبيرة واحدة للافتتاح .

[ ص: 136 ] 9944 - وقد روي عن أحمد بن حنبل مثل قول الشافعي .

9945 - وحجة من قال : التكبير فيها كالتكبير في صلاة العيد حديث ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى فيها ركعتين كما يصلي في العيد .

9946 - وقد ذكرناه بإسناده وتمام ألفاظه في " التمهيد " .

[ ص: 137 ] 9947 - وليس عندي فيه حجة من جهة الإسناد ولا من جهة المعنى ; لأنه يمكن أن يكون التشبيه فيه بصلاة العيدين من جهة الخطبة إلا أن ابن عباس رواه وعمل بالتكبير كصلاة العيد ، بمعنى ما روى ، وقد تابعه من ذكرنا معه .

9948 - وقال الشافعي ، ومالك ، وأصحابهما : يحول الإمام رداءه عند فراغه من الخطبة يجعل اليمين على الشمال ، وما على الشمال على اليمين . ويحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام رداءه كما حول الإمام .

9949 - هذا قول الشافعي بالعراق . وقال بمصر : ينكس الإمام رداءه فيجعل أعلاه أسفله ويجعل ما منه على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر .

9950 - قال : وإن جعل ما على يمينه على يساره ولم ينكبه أجزأه .

9951 - وقال الليث بن سعد : يحول الإمام رداءه ولا يحولوا أرديتهم ، وهو قول محمد بن الحسن ، وكذلك قال أبو يوسف إلا أنه قال : يحوله الإمام إذا مضى صدر من الخطبة .

9952 - وقال الشافعي : يحول رداءه وهو مستقبل القبلة في الخطبة الثانية عند فراغه منها أو قرب ذلك ويحول الناس .

[ ص: 138 ] 9953 - قال أبو عمر : قوله في الحديث : وحول رداءه يقتضي ما عليه جمهور الفقهاء من تحويل ما على اليمين منه على الشمال .

9954 - وقد روي ذلك منصوصا عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

9955 - أخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد والمسعودي ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين .

9956 - وزاد المسعودي قلت : لأبي بكر أجعل الشمال على اليمين أم جعل أعلاه أسفله ؟ قال : بل جعل الشمال على اليمين ، واليمين على الشمال .

9957 - وأما الذي ذهب إليه الشافعي فإنما يوجد في حديث عمارة بن غزية ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد ، قال : استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خميصة له سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها ، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه .

9958 - ففي هذا الحديث دليل على أن الخميصة لو لم تثقل عليه لنكسها وجعل أعلاها أسفلها .

[ ص: 139 ] 9959 - ذكره الشافعي عن الدراوردي ، عن عمارة بن غزية .

9960 - وذكره أبو داود عن قتيبة بن سعيد ، عن الدراوردي .

9961 - ولا أعلم خلافا أن الإمام يحول رداءه وهو قائم ويحول الناس وهم جلوس .

9962 - والخروج إلى الاستسقاء وقت خروج الناس إلى العيد عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإنه قال : الخروج إليها عند زوال الشمس .

9963 - واختلف العلماء في خروج أهل الذمة إلى الاستسقاء ، فأجاز ذلك [ ص: 140 ] بعضهم وممن أجازه مالك وابن شهاب ومكحول .

9964 - وقال ابن المبارك : إن خرجوا عزل بهم عن مصلى المسلمين .

9965 - وقال إسحاق : لا يؤمروا بالخروج إلا ينهوا عنه .

9966 - وكرهت طائفة من أهل العلم خروجهم إلى الاستسقاء منهم : أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما .

9967 - قال الشافعي : فإن خرجوا متميزين لم أمنعهم .

9968 - وقال محمد بن الحسن : لا يتقرب إلى الله - عز وجل - ويرجى ما عنده من الخير بدعاء أهل الكفر .

9969 - وكلهم كره خروج النساء الشواب إلى الاستسقاء ورخصوا في خروج العجائز .

9970 - ولم يختلفوا في الجهر في صلاة الاستسقاء .

[ ص: 141 ] 9971 - وقال مالك : لا بأس أن يستسقى في العام الواحد مرة أو مرتين إذا احتاجوا إلى ذلك .

9972 - وقال الشافعي : إن لم يسقوا ذلك أحببت أن يتابع الاستسقاء ثلاثة أيام يصنع في كل منها كما صنع في الأول .

9973 - وقال إسحاق : لا يخرجون إلى الجبان إلا مرة واحدة ، ولكن يجتمعون في مساجدهم ، فإذا فرغوا من الصلاة ذكروا الله - عز وجل - ودعوا أو يدعو الإمام يوم الجمعة على المنبر ويؤمن الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية