الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
451 [ ص: 153 ] ( 3 ) باب الاستمطار بالنجوم

425 - مالك ، عن صالح بن كيسان ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن زيد بن خالد الجهني ; أنه قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل . فلما انصرف أقبل على الناس فقال : أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي ، وكافر بي ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته . فذلك مؤمن بي ، كافر بالكوكب . وأما من قال ، مطرنا بنوء كذا وكذا . فذلك كافر بي ، مؤمن [ ص: 154 ] بالكوكب " .


9996 - الحديبية : موضع معروف في آخر الجبل وأول الحرم ، وفيه كان الصلح بين قريش وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة .

9997 - وأما قوله : على إثر سماء ، فإنه يعني بالسماء : المطر والغيث ، وهي استعارة حسنة معروفة للعرب : قال حسان بن ثابت [ ص: 155 ]

عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء      [ ص: 156 ] ديار من بني الحسحاس قفر
تعفيها الروامس والسماء

يعني : ماء السماء .

9999 - وقال غيره ، فأفرط في المجاز وفي الاستعارة :


إذا نزل السماء بأرض قوم     رعيناه وإن كانوا غضابا

.

10000 - وأما قوله حاكيا عن الله - عز وجل - أصبح من عبادي مؤمن بي [ ص: 157 ] وكافر فمعناه عندي على وجهين .

100001 - ( أحدهما ) أن القائل مطرنا بنوء كذا : أي بسقوط نجم كذا أو بطلوع نجم كذا ، إن كان يعتقد أن النوء هو المنزل للمطر والخالق له والمنشئ للسحاب من دون الله ، فهذا كافر كفرا صريحا ينقل عن الملة ، وإن كان من أهلها استتيب . فإن رجع إلى ذلك إلى الإيمان بالله وحده وإلا قتل إلى النار .

10002 - وإن كان أراد أن الله - عز وجل - جعل النوء علامة للمطر ووقتا له وسببا من أسبابه ، كما تحيى الأرض بالماء بعد موتها وينبت به الزرع ويفعل به ما يشاء من خليقته ، فهذا مؤمن لا كافر ويلزمه مع هذا أن يعلم أن نزول الماء لحكمة الله - تعالى - ورحمته وقدرته لا بغير ذلك ; لأنه مرة ينزله بالنوء ومرة بغير نوء كيف يشاء لا إله إلا هو .

10003 - والذي أحب لكل مؤمن أن يقول كما قال أبو هريرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية