الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
455 430 - ورواه مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن ابن عمر ، فقال فيه : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته .


[ ص: 173 ] 10065 - وهكذا رواه عبد الوهاب الثقفي ، ورواه سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد بلفظ حديث مالك ومعناه .

10066 - ورواه عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه ، عن ابن عمر ، فقال فيه : فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا على حاجته مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة .

10067 - وقال فيه حفص بن غياث ، عن عمرو بن سعيد ، عن محمد بن يحيى ، عن عمه ، عن ابن عمر : متوجها نحو القبلة لم يقل : الكعبة ولا بيت المقدس .

10068 - وقال أحمد بن حنبل في حديث ابن عمر هذا : إنما نسخ فيه استقبال بيت المقدس واستدباره بالغائط والبول .

[ ص: 174 ] 10069 - قال : هذا الذي لا أشك فيه ، وأنا أشك في الكعبة .

10070 - قال أبو عمر : قد قال في حديث ابن عمر من لا مدفع لأحد في نقله وهو عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن ابن عمر : " مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة " فدل على أن النهي إنما أريد به الصحاري لا البيوت ، لما في ذلك من الضيق والحرج ، وما جعل الله في الدين من حرج ومعلوم أن بيت المقدس إنما ذكر في وقت كونه - والله أعلم - قبلة ، فالقبلة : البيت الحرام كذلك ، فكيف وفي نقل الثقات الحفاظ : " مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة " فجاء بالوجهين جميعا .

10071 - وقد روى حماد بن سلمة وغيره ، عن خالد بن الصلت ، عن عراك بن مالك ، عن عائشة قالت : ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قوما يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال : " فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة " .

10072 - وهذا واضح من خصوص البيوت ، ومعلوم أن المقاعد لا تكون إلا في البيوت ، فدل على أن الصحاري عليها حرج النهي خاصة ، والله أعلم .

10073 - وقد ذكرنا أسانيد أحاديث هذا الباب كلها في " التمهيد " .

10074 - وقد روى مروان الأصفر ، عن ابن عمر أنه رآه أناخ راحلته مستقبل بيت المقدس ثم جلس يبول إليها ; فقلت : يا أبا عبد الرحمن ! أليس قد نهي عن هذا ؟ فقال : إنما نهي عن ذلك في الفضاء وإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا [ ص: 175 ] بأس .

10075 - وروى وكيع وعبيد الله بن موسى ، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط ، وهو عيسى بن ميسرة ، قال : قلت للشعبي : إن أبا هريرة يقول : لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ، وقال ابن عمر : كانت مني التفاتة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كنيفه مستقبل القبلة .

10076 - فقال الشعبي : صدق أبو هريرة ، وصدق ابن عمر ، قول أبي هريرة في البرية وقول ابن عمر في الكنيف . قال الشعبي : فأما كنفكم هذه فلا قبلة لها .

10077 - هذا حديث وكيع . وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث أبي هريرة مسندا ، وحديث ابن عمر من رواية عيسى الحناط .

10078 - وقالت طائفة من أهل العلم : منهم داود ومن اتبعه ، وهو قول عروة بن الزبير : جائز استقبال القبلة للبول والغائط في الصحاري والبيوت .

[ ص: 176 ] 10079 - واحتجوا بحديث جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط . قال : ثم رأيته بعد ذلك يستقبل القبلة ببوله قبل موته بعام .

10080 - وقد ذكرت إسناد هذا الحديث في " التمهيد " .

10081 - قالوا : فهذا يبين أن نهيه في ذلك منسوخ ، وأقل أحوال الآثار في ذلك أن تتعارض فتسقط ، وأصل الأمور الإباحة حتى يثبت الحظر بما لا معارض له .

10082 - هذا ما نزع به من ذهب مذهب داود ، وليس حديث جابر الذي عولوا عليه في النسخ مما يحتج به عند أهل العلم بالنقل ولا مما يعتمد على مثله ، والله أعلم .

10083 - وقد أوضحنا هذا المعنى في " التمهيد " والحمد لله .

[ ص: 177 ] 10084 - وكان مجاهد ، وإبراهيم النخعي ، ومحمد بن سيرين يكرهون أن تستدبر إحدى القبلتين أو تستقبل لغائط أو بول : الكعبة وبيت المقدس .

10085 - وهؤلاء غاب عنهم وخفي عليهم ما علمه غيرهم ، وبالله التوفيق .

10086 - قال أبو عمر : من الدليل على أن نهيه - صلى الله عليه وسلم - استقبال القبلة بالبول والغائط إنما عنى به الصحاري والفضاء والفيافي دون كنف البيوت .

10087 - قوله في حديث عائشة : " استقبلوا بمقعد القبلة " ، والمقعد لا يكون إلا في البيوت .

10088 - ومثل هذا حديث ابن عمر كان منه بالمدينة ، رآه على سطح أشرف عليه منه فرآه على لبنتين يقضي حاجته إلى ناحية القبلة .

10089 - ويدل أيضا على ذلك أن متبرز القوم إنما كان أكثره في الصحراء وخارجا من البيوت .

10090 - ألا ترى أن ما جاء في حديث الإفك من قول عائشة ( رحمها الله ) : " وكانت بيوتنا لا مراحيض لها وإنما أمرنا أمر العرب الأول " تعني البعد في البراز .

10091 - وقال بعض أصحابنا : إنما وقع النهي عن الصحاري ; لأن الملائكة تصلي في الصحاري .

10092 - وأما قوله في الحديث : " كيف أصنع بهذه الكرابيس " فهي المراحيض ، واحدها كرباس ، مثل سربال وسرابيل .

10093 - وقد قيل : إن الكرابيس مراحيض العرب وأما مراحيض البيوت [ ص: 178 ] فإنما يقال لها الكنف .

10094 - وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه " دليل على أن القبل يسمى فرجا وأن الدبر أيضا يسمى فرجا .

10095 - واختلف الذين رأوا الوضوء من مس الفرج في مس الدبر على ما قد ذكرناه في موضعه ، والحمد لله .

10096 - والذي نقول به : إنه لما احتمل لفظ الفرج الوجهين كان المبين للمراد منه والقاضي فيه - صلى الله عليه وسلم - مس ذكره .

10097 - وأما قوله في الحديث : " لعلك من الذين يسجدون على أوراكهم " فإنه يعني الذي يسجد ولا يرتفع عن الأرض لاصقا بها .

10098 - وقد مضى القول فيما يجزئ من السجود والركوع في مواضع من هذا الكتاب .

10099 - ( منها ) حديث رفاعة بن رافع ، وأبي هريرة بمعنى واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للرجل الذي أمره أن يعيد صلاته وعلمه الفرائض فيها : " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا . . . " الحديث .

10100 - وحديث البراء بن عازب في وصفه لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول : قد أوهم .

10101 - وحديث البراء أيضا ، قال : رمقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، فكان قيامه من الركوع وركوعه وقيامه من السجود وسجوده سواء أو قريبا من السواء .

[ ص: 179 ] 10102 - أخرجهما أبو داود وغيره .

10103 - وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا حفص بن عمرو النمري ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي مسعود البدري ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لا تجزئ صلاة رجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " .

التالي السابق


الخدمات العلمية