الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
456 [ ص: 180 ] ( 3 ) باب النهي عن البصاق في القبلة

431 - ذكر فيه مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر .

432 - وعن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقا زاد في حديث هشام : أو مخاطا أو نخامة في جدار القبلة ، فحكه . ثم أقبل على الناس ، فقال : " إذا كان أحدكم يصلي ، فلا يبصق قبل وجهه . فإن الله - تبارك وتعالى - قبل وجهه إذا صلى " .


10104 - قال أبو عمر : أما حكه - صلى الله عليه وسلم - البصاق من القبلة ففيه دليل على تنزيه [ ص: 181 ] المساجد من كل ما يستقذر ويستسمج ، وإن كان طاهرا ; لأن البصاق طاهر ، ولو كان نجسا لأمر بغسل أثره .

10105 - ويدلك على طهارته حديث حذيفة ، وحديث أبي سعيد ، وحديث أبي هريرة ، وحديث أنس ، وكلها قد ذكرتها في [ ص: 182 ] " التمهيد " بمعنى واحد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح للمصلي أن يبصق ويتنخم : في ثوبه ، وعن يساره . ولو كان نجسا ما أباح له حمله في ثوبه .

10106 - ولا أعلم كلاما في طهارة البصاق إلا شيئا روي عن سلمان ، الجمهور على خلافه والسنن الثابتة وردت برده .

10108 - وفي حك البصاق من المسجد تنزيهه عن أن يؤكل فيه مثل البلوط لقشره والزبيب لعجمه ، وكل ما له دسم وودك وتلويث وما له حب وتبن ، ونحو ذلك مما يكنسه المرء من بيته .

10108 - وإذا كان ذلك فالنجاسة أحرى أن لا يقرب المسجد شيء منها .

10109 - وقد ذكرنا في " التمهيد " حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب .

[ ص: 183 ] 10110 - والبصاق : ما خرج من الفم . وفيه لغتان : بصاق ، وبزاق . ويكتب بالسين كما يكتب بالصاد والزاي .

10111 - والنخامة : ما خرج من الحلق .

10112 - والمخاط : ما خرج من الأنف .

10113 - وليس شيء من ذلك نجس ، ولكن المساجد واجب تنزيهها عن كل ما تستقذره النفس .

10114 - وأما قوله : " فإن الله قبل وجهه إذا صلى " فكلام خرج على شأن تعظيم القبلة وإكرامها كما قال طاوس : " أكرموا قبلة الله عن أن تستقبل للغائط والبول " .

10115 - حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة في المسجد ; فشق عليه حتى عرفنا ذلك في وجهه ، فحكه وقال : " إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه ، وإنما ربه بينه وبين قبلته ، فليبصق إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه " .

10116 - وقال - صلى الله عليه وسلم - " البصاق في المسجد خطيئة . وكفارتها دفنها " .

[ ص: 184 ] 10117 - وقد ذكرنا إسناده في " التمهيد " .

101118 - وفي هذا دليل على أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه ، ولا يقطع ذلك صلاته ، ولا يعيدها .

10119 - وفي ذلك دليل على أن النفخ في الصلاة لا يضرها إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث ; لأن البصاق لا يسلم من شيء من النفخ ، والتنحنح مثل النفخ إذا لم يكن جوابا ولا أريد به معنى الكلام ولا العبث ولا اللعب .

10120 - واختلف الفقهاء في هذا المعنى .

10121 - فكان مالك يكره النفخ في الصلاة فإن فعله فاعل لا يقطع صلاته .

10122 - ذكره ابن وهب عن مالك .

[ ص: 185 ] 10123 - وذكره ابن خواز بنداذ قال ، قال مالك : التنحنح والنفخ في الصلاة لا يقطع الصلاة .

10124 - رواه ابن عبد الحكم قال : قال ابن القاسم : التنحنح والنفخ في الصلاة يقطع الصلاة .

10125 - قال الشافعي : كل ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام ولا يقطع الصلاة إلا الكلام المفهوم .

10126 - وقال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن : إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة .

10127 - وقال أبو يوسف : لا يقطع الصلاة إلا أن يريد التأفيف ، ثم رجع فقال : صلاته تامة .

10128 - وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه : لا إعادة على من نفخ في الصلاة .

10129 - والنفخ مع ذلك مكروه عندهما ، إلا أن يكون تأوها من ذكر النار وخوف الله تعالى إذا مر بذلك في القرآن .

10130 - وقد زدنا هذا بيانا في " التمهيد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية