الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
33 36 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ، ثم [ ص: 37 ] لينثر ؛ ومن استجمر فليوتر " .

[ ص: 38 ] 37 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من توضأ فليستنثر ، ومن استجمر فليوتر " .


1281 - عند بعض شيوخنا في حديث أبي الزناد : " فليجعل في أنفه ماء " وبعضهم ليس عنده " ماء " . والمعنى قائم .

1282 - وأما قوله : " ثم لينثر " وفي حديث ابن شهاب : " فليستنثر " فإنه يقال : نثر واستنثر بمعنى واحد ، وهو دفع ما استنشقه من الماء بريح الأنف .

1283 - وليس في الموطأ حديث هنا بلفظ الاستنشاق ، ولا يكون الاستنثار إلا بعد الاستنشاق ، ولفظ الاستنشاق موجود في حديث أبي هريرة ، وفي حديث أبي رزين العقيلي .

1284 - ويؤخذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تمضمض واستنشق " من حديث عثمان ، وعلي ، وعائشة ، وغيرهم .

1285 - ففي حديث أبي هريرة من رواية معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - قال : " إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره من الماء ثم لينثر " .

[ ص: 39 ] 1286 - وفي حديث أبي رزين العقيلي - واسمه لقيط بن صبرة - قال : " قلت يا رسول الله ! أخبرني عن الوضوء . قال : أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق ، إلا أن تكون صائما " .

[ ص: 40 ] 1287 - وفي حديث سلمة بن قيس ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا استنشقت فانثر ، وإذا استجمرت فأوتر " .

1288 - وأما الاستنثار ففي حديث أبي هريرة ما في الموطأ بإسنادين .

1289 - وروى ابن أبي ذئب ، عن قارظ بن شيبة ، عن أبي غطفان : أنه سمع ابن عباس يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا " .

1290 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في " التمهيد " .

1291 - وقد جمعها الزهري في حديث عثمان فجود .

1292 - حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب قال ، حدثنا أحمد بن محمد بن المغيرة ، حدثنا عثمان عن شعيب عن الزهري ، أخبرني عطاء بن يزيد الليثي عن حمران أن عثمان بن عفان دعا [ ص: 41 ] بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلها ثلاث مرات ، ثم أدخل يمينه في الوضوء فمضمض واستنشق واستنثر ، وذكر تمام الحديث .

1293 - واختلف العلماء فيمن ترك الاستنشاق والاستنثار في وضوئه ناسيا أو عامدا : أعاد الوضوء ، وبه قال أبو ثور ، وأبو عبيد في الاستنثار خاصة دون المضمضة ، وهو قول داود في الاستنثار خاصة .

1294 - وكان أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، يذهبون إلى إيجاب المضمضة والاستنشاق في الجنابة دون الوضوء .

1295 - وكان حماد بن أبي سليمان ، وابن أبي ليلى ، وطائفة يوجبونهما في الوضوء والجنابة معا .

1296 - وأما مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأكثر أهل العلم فإنهم ذهبوا إلى أنه لا فرض في الوضوء واجب إلا ما ذكر الله في القرآن وذلك غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين .

1297 - وقد أوضحنا معاني أقوالهم وعيون احتجاج كل واحد منهم فيما تقدم من هذا الباب ، والحمد لله .

1298 - وأما قوله : " ومن استجمر فليوتر " فمعنى الاستجمار : إزالة الأذى من المخرج بالأحجار . والجمار عند العرب : الحجارة الصغار .

1299 - وقد ذكرنا تصريف هذه اللفظة في اللغة وشواهد الشعر على ذلك في التمهيد .

[ ص: 42 ] 1300 - والاستجمار : هو الاستنجاء ، وهو إزالة النجو من المخرج بالماء أو بالأحجار .

1301 - واختلف الفقهاء في ذلك : هل هو فرض واجب أو سنة مسنونة ؟ .

1302 - فذهب مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما إلى أن ذلك ليس بواجب فرضا ، وأنه سنة لا ينبغي تركها . وتاركها مسيء ، فإن صلى كذلك فلا إعادة عليه ، إلا أن مالكا يستحب له الإعادة في الوقت . وعلى ذلك أصحابه .

1303 - وأبو حنيفة يراعي [ أن يكون ] ما خرج عن في المخرج مقدار الدرهم ، على أصله . وسيأتي ذكره في موضعه .

1304 - وقال الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري : الاستنجاء واجب ، ولا تجزئ صلاة من صلى دون أن يستنجي بالأحجار أو بالماء . والمخرج مخصوص بالأحجار عند الجميع .

1305 - ويجوز عند مالك ، وأبي حنيفة ، الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا ذهب النجو ، لأن الوتر يقع على الواحد ، فما فوقه من الوتر عندهم مستحب وليس بواجب .

1306 - وقد روي من حديث أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - " من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج " .

[ ص: 43 ] 1307 - وقد ذكرناه بإسناده في " التمهيد " .

1308 - وقال الشافعي : لا يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وإلى هذا ذهب أبو الفرج المالكي .

1309 - وحجة من قال بهذا القول حديث سلمان الفارسي : " أنه قال له رجل إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة . قال : أجل ، نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول ، أو نستنجي بأيماننا ، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار " ، وحديث أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - : " أنه كان يأمر بثلاثة أحجار ، وينهى عن الروث ، والرمة " . وهما حديثان ثابتان بإجماع من أهل النقل .

[ ص: 44 ] 1310 - وقال مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي : كل ما قام مقام الأحجار من سائر الأشياء الطاهرة فجائز الاستنجاء به ما لم يكن مأكولا .

1311 - وقال مالك ، وأبو حنيفة : إن استنجى بعظم أجزأه ، وبئس ما صنع .

1312 - وقال الشافعي : لا يجزئ لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك .

1313 - وقال الطبري : كل طاهر ، ونجس أزال النجو أجزأ .

1314 - وقال داود ، وأهل الظاهر : لا يجوز الاستنجاء بغير الأحجار الطاهرة .

1315 - ولا فرق عند مالك ، وأبي حنيفة في مخرج البول والغائط بين المعتادات وغير المعتادات : أن الأحجار تجزئ فيها ، وهو المشهور من قول الشافعي .

1316 - وقد روي عن الشافعي : أنه لا يجزئ فيما عدا الغائط والبول إلا الماء ، وكذلك ما عدا المخرج وما حوله مما يمكن التحفظ منه فإنه لا يجزئ فيه الأحجار ولا يجزئ فيه إلا الماء .

1317 - وسيأتي حكم المذي في موضعه إن شاء الله .

1318 - وحكى ابن خواز بنداذ عن مالك وأصحابه أن ما حول المخرج مما لا بد منه في الأغلب والعادة لا يجزئ فيه إلا الماء ، ولم أر عن مالك هذا القياس .

[ ص: 45 ] 1319 - وقالت طائفة من أصحابنا : إن الأحجار تجزئ في مثل ذلك ، لأن ما لا يمكنه التحفظ منه مثل الشعر وما يقرب منه حكمه حكم المخرج .

1320 - واختلف أصحاب الشافعي أيضا : فمنهم من قال تجزئ فيه الأحجار ، ومنهم من أبى ذلك .

1321 - وأما أبو حنيفة وأصحابه فعلى أصلهم : أن النجاسة تزول بكل ما أزال عينها وأذهبها ، ماء كان ، أو غيره . وقدر الدرهم عندهم معفو عنه أصلا .

1322 - وقال داود : النجاسة بأي وجه زالت أجزأ ، ولا تحد بقدر الدرهم .

1323 - قال مالك : تجوز الصلاة بغير الاستنجاء ، والاستنجاء بالحجارة حسن ، والماء أحب إليه ، ويغسل ما هنالك بالماء من لم يستنج لما يستقبل .

1324 - وقال الأوزاعي : تجوز ثلاثة أحجار ، والماء أطهر .

1325 - ومن جعل من العلماء الاستنجاء واجبا جعل الوتر فيه واجبا ، وسائر أهل العلم يستحبون فيه الوتر .

1326 - وسيأتي ذكر الاستنجاء بالماء عند قول سعيد بن المسيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية