الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
475 [ ص: 69 ] 450 - وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه ، أنه قال : أنزلت " عبس وتولى " في عبد الله بن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول يا محمد ، استدنيني وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول : يا فلان ، هل ترى بما أقول بأسا ؟ فيقول : لا والدماء ما أرى بما تقول بأسا ، فأنزلت " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " .


10513 - فقد ذكرنا من أسنده في غير الموطأ .

10514 - ذكرنا ابن أم مكتوم ، والاختلاف في اسمه في كتاب الصحابة ، ورفعنا هناك في نسبه ، وذكرنا عيونا من خبره ، وهو قرشي عامري منبني عامر بن لؤي .

[ ص: 70 ] 10515 - ورواه ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه بمثل حديث مالك سواء .

10516 - ففي هذا الحديث دليل على أن علم السيرة وما ارتبط بها من علم نزول القرآن متى نزل وفيمن نزل ، والمكي منه والمدني ، وما أشبه ذلك من جنس التاريخ في مثل ذلك علم حسن ينبغي الوقوف عليه والعناية به والميل بالهمة إليه .

[ ص: 71 ] 10517 - وفيه أيضا ما كان عليه ابن أم مكتوم من الحرص على القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم والسماع منه والأخذ عنه .

10518 - وأما الرجل الذي قيل فيه من عظماء المشركين فقيل : هو أبي بن خلف الجمحي وقيل : عتبة وشيبة ابنا ربيعة .

10519 - ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم يومئذ أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فنزلت " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " سورة عبس 1 ، 2 فكان بعد ذلك يكرمه .

10520 - وقد ذكرت في ( التمهيد ) حديثا مسندا عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياها بالعسل ، فقلت : من هذا يا أم المؤمنين ؟ فقالت : هذا ابن أم مكتوم ، الذي عاتب الله فيه نبيه أتى النبي - عليه السلام - وعنده عتبة وشيبة فأقبل عليهما فنزلت " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " وقالت عائشة : لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي شيئا لكتم هذا .

[ ص: 72 ] 10521 - وذكر حجاج عن ( ابن ) جريج قال : قال ابن عباس : جاءه ابن أم مكتوم وعنده رجال من قريش : فقال له : علمني ما علمك الله ، فأعرض عنه وعبس في وجهه ، وأقبل على القوم يدعوهم إلى الإسلام ، فنزلت " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " سورة عبس 1 ، 2 فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر إليه بعد ذلك مقبلا بسط رداءه حتى يجلسه عليه ، وكان إذا خرج من المدينة استخلفه يصلي بالناس حتى يرجع .

10522 - وقد زدنا هذا الباب بيانا في ( التمهيد ) .

10523 - وأما قوله في حديث مالك هذا : " لا والدماء " ، فإن الرواية اختلفت عن مالك في ذلك ، فمنهم من يرويه عنه : " والدماء " بكسر الدال ، ومنهم من يرويه بضمها ، فمن ضمها أراد الأصنام التي كانوا يعبدون ويعظمون واحدتها دمية ، ومن رواها بكسر الدال أراد دماء الهدايا التي كانوا يذبحون لآلهتهم .

10524 - قال الشاعر ( وهو توبة بن الحمير ) :


علي دماء البدن إن كان بعلها يرى لي ذنبا غير أني أزورها



[ ص: 73 ] 10525 - وقال آخر :


أما ودماء المزجيات إلى منى     لقد كفرت أسماء غير كفور



التالي السابق


الخدمات العلمية