الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
492 [ ص: 134 ] ( 8 ) باب ما جاء في الدعاء

468 - ذكر فيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لكل نبي دعوة يدعو بها ، فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة .


10744 - فذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في ( التمهيد ) ، وذكرنا أنه عند مالك أيضا عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 135 ] 10745 - ومعناه عندنا أن كل نبي قد أعطي أمنية يتمنى بها وسؤالا يسأله ويدعو فيه على نحو هذا الوجه فيعطاه .

10746 - لا وجه لهذا الحديث عندي غير هذا ، لأنه معلوم أن لكل نبي دعوات مستجابات ، ولغير الأنبياء أيضا دعوات مستجابات وما يكاد أحد من أهل الإيمان ولا من المظلومين من كان يخلو من إجابة دعوته إذا شاء ربه .

10747 - قال الله عز وجل : " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " الأنعام : 41 .

10748 - وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من داع إلا كان بين أحد ثلاث ، إما يستجاب له فيما دعا به ، وإما يدخر له مثله ، وإما أن يكفر عنه " .

10749 - وقال : " دعوة المظلوم لا ترد ، ولو كانت من كافر " .

10750 - وقال في الساعة التي في يوم الجمعة : " إنه لا يسأل فيها عبد ربه شيئا إلا أعطاه " .

10751 - وقال في الدعاء بين الأذان والإقامة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول الغيث : " إنها أوقات يرجى فيها إجابة الدعاء " .

[ ص: 136 ] 10752 - وهذا المعنى كثير جدا ، ولذلك ذهبنا في تأويل حديث هذا الباب إلى ما وصفنا ، ومحال أن لا يكون نبينا أو غيره من الأنبياء يجاب من دعائه إلا في دعوة واحدة ، هذا ما لا يظنه ذو لب إن شاء الله .

10753 - حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا معتمر قال : سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل نبي قد سأل سؤالا " أو قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل نبي دعوة قد دعا بها يستجاب فيها ، فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة " .

10754 - وفي هذا الحديث إثبات الشفاعة ، وهو ركن من أركان اعتقاد أهل السنة ، وهم مجمعون أن تأويل قول الله عز وجل : " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " الإسراء 79 ، المقام المحمود هو شفاعته في المذنبين من أمته ، ولا أعلم في هذا مخالفا إلا شيئا رويته عن مجاهد ، ذكرته في ( التمهيد ) ، وقد روي عنه خلافه على ما عليه الجماعة فصار إجماعا منهم ، والحمد لله .

10755 - وقد ذكرت في ( التمهيد ) كثيرا من أقاويل الصحابة و التابعين بذلك ، وذكرت من أحاديث الشفاعة ما فيه كفاية والأحاديث فيه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح ثابتة .

[ ص: 137 ] 10756 - وذكرنا أيضا في ( التمهيد ) حديث ابن عمر ، وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة " .

10757 - وقال جابر : من لم يكن من أهل الكبائر فما له والشفاعة .

10758 - وقال ابن عمر : ما زلنا نمسك على الاستغفار لأهل الكبائر حتى نزلت " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء 116 .

10759 - وقال صلى الله عليه وسلم : " أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " .

10760 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في ( التمهيد ) .

10761 - وهذا الأصل الذي ينازعنا فيه أهل البدع والنكبة التي عول أهل العلم والسنة والحق عليها ، وفي هذا الباب ، والحمد لله الموفق لهم إلى الصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية