الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
497 [ ص: 154 ] 473 - وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عائشة أم المؤمنين قالت : كنت نائمة إلى جنب رسول الله ففقدته من الليل فلمسته بيدي فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول : " أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك " .


10850 - فقد ذكرنا في ( التمهيد ) من أسند هذا الحديث ووصله .

10851 - وهو حديث متصل صحيح رواه أبو هريرة عن عائشة ، ورواه عروة عن عائشة ، وقد ذكرنا ذلك كله في ( التمهيد ) إلا أن الرواة يقولون فوقعت يدي على قدميه .

10852 - وفي هذا الحديث من الفقه عند أصحابنا دليل على أن اللمس باليد لا ينقض الطهارة إذا لم يكن لغير شهوة .

10853 - وهذه مسألة قد اختلف العلماء فيها ، وقد ذكرناها في باب الملامسة من الطهارة في هذا الكتاب .

[ ص: 155 ] 10854 - وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه أن اللامس والملموس سواء في وجوب الوضوء على من التذ منهما ، وللشافعي في الملموس قولان ، آخرهما أن عليه الوضوء ، والآخر أن لا وضوء عليه ، لحديث عائشة هذا قولها " فوقعت يدي على قدميه " ولم تقل إنه توضأ ولا قطع الصلاة وهو قول داود ، ولم يختلف قول الشافعي أن الملامس تنتقض طهارته إذا لمس امرأة التذ أو لم يلتذ وأهل القرآن على أن الملامسة الجماع لا ما دونه .

10855 - وقد ذكرنا اختلاف السلف والخلف في موضعها من هذا الكتاب ، والحمد لله .

10856 - وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " وأعوذ بك منك " فهو في معنى قوله : " أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك " .

10857 - وأما قوله : " لا أحصي ثناء عليك " فإن مالكا قال لي في ذلك : يقول لم أحصر نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء .

10858 - ففي قوله : " أنت كما أثنيت على نفسك " دليل على أنه لا يبلغ في وصفه إلى وصف نفسه ومن وصفه بغير ما وصف به نفسه فقد قال بغير علم ، فإنه ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء ، وهو خالق كل شيء وهو بكل شيء عليم .

التالي السابق


الخدمات العلمية