الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
481 - وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه ، أنه قال في هذه الآية : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا " الإسراء 110 أنها نزلت في الدعاء .


10917 - فقد قال بقول عروة جماعة ، وقد روته جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، منهم : ابن المبارك ، وعيسى بن يونس .

10918 - وفي هذه المسألة أقوال نذكرها إن شاء الله .

10919 - فمن ذلك ما في سماع زيد بن عبد الرحمن بن مالك ، أنه سمعه يقول وقد سئل عن الله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " الإسراء 110 [ ص: 169 ] فقال : أحسن ما سمعت في ذلك أنه عنى به أن لا يجهر بقراءته في صلاة النهار لأنها عجماء ، ولا يخافت بقراءته في صلاة الليل ، والصبح من النهار إلا أنه يجهر بها .

10920 - وفي هذا أيضا نص عن مالك أن الصبح من النهار وهو الحق الذي لا ريب فيه والحمد لله .

10921 - وأما الذين قالوا بقول عروة في هذه الآية ، أنها نزلت في الدعاء والمسألة ، فمنهم : إبراهيم النخعي ، ومجاهد .

10922 - وقال الحسن في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال : لا تصلها رياء ولا تتركها حياء .

10923 - وفي رواية أخرى عنه : " لا تحسن علانيتها ، ولا تسئ سريرتها " .

10924 - وقال آخرون : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءته فينتفع به المسلمون ويسمعونه ويأخذونه وكان الكفار يؤذونه مخافة لأن لا يسمع أحد قراءته فنزلت " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " الإسراء 110 .

10925 - وممن قال ذلك قتادة .

10926 - وروى الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو ذلك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن ، وكان المشركون إذا سمعوا صوتا شتموا [ ص: 170 ] القرآن ، ومن جاء به فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته بذلك ، فأنزل الله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " الإسراء 110 .

10927 - فسمى القراءة هاهنا صلاة لأنها بها تقوم الصلاة
.

10928 - وقد روى شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال : نزلت في بسم الله الرحمن الرحيم ، كان المشركون إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بها هزءوا منه ، وكان مسيلمة يسمى الرحمن ، قالوا : يذكر إله اليمامة ، فنزلت " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " الإسراء 110 .

10929 - وقال ابن سيرين : كان أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) يخافت بالقراءة في صلاة الليل ، وكان عمر رضي الله عنه يجهر ويرفع صوته ، فنزلت هذه الآية .

10930 - وقال الحسن في قوله : " وابتغ بين ذلك سبيلا " الإسراء 110 قال : تكون سريرتك موافقة لعلانيتك .

التالي السابق


الخدمات العلمية