الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
519 [ ص: 198 ] 488 - وأما حديث مالك في هذا الباب عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت ، فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد ، فهل علي من غسل ؟ فقالوا : لا .


11033 - قال أبو عمر : هذا إجماع من العلماء مأخوذ عن إجماع السلف من الصحابة على ما في هذا الحديث من المهاجرين والأنصار من إجازات غسل المرأة زوجها من غير نكير عن أحد منهم .

11034 - وكذلك روينا عن أبي موسى الأشعري أنه غسلته امرأته .

11035 - ولم يختلف الفقهاء في جواز غسل المرأة لزوجها .

11036 - واختلفوا في جواز غسل الرجل امرأته .

[ ص: 199 ] 11037 - فقال أكثرهم : جائز أن يغسل الرجل امرأته كما جاز أن تغسله .

11038 - فمن قال بذلك منهم : مالك ، والليث ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود .

11039 - وهو قول حماد بن أبي سليمان .

11040 - واختلف فيه عن الأوزاعي ، روي عنه : لا يغسلها ، وروي عنه : يغسلها .

11041 - وحجتهم أن عليا غسل فاطمة ( رضي الله عنهما ) ، وقياسا على غسل المرأة زوجها لأنهما زوجان .

11042 - وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري ، وروى ذلك عن الشعبي : تغسله ولا يغسلها ، لأنه ليس في عدة منها .

11043 - وهذا لا حجة فيه لأنها في حكم فيه الزوجية ليس في عدة منها ، بدليل الموارثة لا في حكم المبتوتة .

11044 - واعتل الثوري وأبو حنيفة بأن لزوجها أن يتزوج أختها ، فلذلك لا يغسلها ، وهذا لا ينتقد عليهم بغسلها له .

11045 - وأجمعوا على أن المطلقة المبتوتة لا تغسل زوجها إن مات في عدتها .

11046 - واختلفوا في الرجعة .

11047 - قد روى ابن نافع عن مالك ، أنه يغسلها وأنها تغسله إن كان الطلاق رجعيا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

[ ص: 200 ] 11048 - وقال ابن القاسم : لا تغسله .

11049 - وإن كان الطلاق رجعيا قال : وهو قياس من قول مالك : لأنه ليس له أن يراها عنده .

11050 - وهو قول الشافعي .

11051 - وأما قوله في حديث أسماء بنت عميس " أنها سألت من حضرها من المهاجرين والأنصار هل عليها من غسل حين غسلت زوجها ، فقالوا : لا " .

11052 - فإن هذا موضع اختلف فيه الفقهاء ، فقال منهم قائلون " : كل من غسل ميتا فعليه الغسل .

11053 - قالوا : وإنما أسقط المهاجرون والأنصار - الذين حضروا غسل أسماء لزوجها - الغسل عنها لما ذكرت لهم لأن إنما هي صائمة وأنه يوم شديد البرد .

11054 - واحتج من رأى الغسل على من غسل الميت بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ " .

11055 - واختلف قول مالك في ذلك فذكر العتبي عن ابن القاسم قال : قال مالك : أرى على من غسل ميتا أن يغتسل .

[ ص: 201 ] 11056 - قال ابن القاسم : ولم أره يأخذ بحديث أسماء بنت عميس ويقول : لم أدرك الناس إلا على الغسل .

11057 - قال ابن القاسم : وهو أحب ما فيه إلي .

11058 - وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال : يغتسل من غسل الميت أحب إلينا .

11059 - وقال ابن وضاح : سمعت سحنون يقول : يغتسل من غسل الميت إذا فرغ منه وهو العمل عندنا .

11060 - وروى أهل المدينة عن مالك أنه لا غسل على من غسل ميتا وإن اغتسل فحسن .

11061 - وقال الشافعي : لا غسل على من غسل ميتا إلا أن يثبت حديث أبي هريرة أو غيره في ذلك .

11062 - وذكر المزني أن عبد الله بن وهب أخبره عن مالك أنه كان يرى الغسل على من غسل الميت .

11063 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : غسل على من غسل ميتا .

11064 - واختلف الصحابة في ذلك أيضا .

11065 - روي عن علي ( رضي الله عنه ) أنه كان يأمر بالغسل من غسل الميت .

11066 - وروي عن ابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، وابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين ، أنه لا غسل على من غسل الميت .

[ ص: 202 ] 11067 - وأما حديث أبي هريرة ، فروي من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، ودون العلاء زهير بن محمد ، وليس بحجة .

11068 - ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، ومن أصحاب سهيل من يرويه عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة .

11069 - ورواه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ، كلهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ " .

11070 - وأما حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بالغسل من الحجامة والجنابة وغسل الميت ويوم عرفة ، فمما لا يحتج به ولا يقوم عليه .

11071 - وقد روى شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة قالت : سألت عائشة أيغتسل من غسل الميت ؟ قالت : لا .

11072 - فدل على بطلان حديث مصعب بن شيبة ، لأنه لو صح عنها ما خالفته ومن جهة النظر والاعتبار لا تجب طهارة على من لم يوجبها الله عليه في كتابه ولا [ ص: 203 ] أوجبها رسوله من وجه يشهد به عليه ولا اتفق العلماء على إيجابها ، والوضوء المجتمع عليه لا يجب أن يقضى إلا من هذه الوجوه أو أحدها ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية