الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
521 [ ص: 205 ] ( 2 ) باب ما جاء في كفن الميت

489 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي [ ص: 206 ] صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة .


11090 - هذا أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفن الميت من جهة النقل .

11091 - وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد حبرة .

11092 - وروي أنه كفن في ربطتين وبرد نجراني .

11093 - ذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن ابن شهاب الزهري [ ص: 207 ] عن علي بن حسين قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب برد حبرة .

11094 - قال عبد الرزاق : وهو المجتمع عليه وبه نأخذ .

11095 - قال : وأخبرنا معمر عن قتادة عن ابن المسيب قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ريطتين وبرد .

[ ص: 208 ] 11096 - وليس في شيء من تلك الآثار ما يعارض به حديث عائشة ، لثبوته وضعف أسانيد ما سواه .

11097 - وقد ذكر لعائشة قولهم " كفن في ثوبين وبرد حبرة " فقالت : قد أتي بالبرد ولكن ردوه ولم يكفنوه فيه .

11098 - ذكر ذلك حفص بن غياث وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .

110999 - وذكر حماد بن سلمة في هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وكان عبد الله بن أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه ) قد أعطاهم حلة حبرة فأدرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم استخرجوه منها .

11100 - فهذه كلها آثار ثابتة عن عائشة ، ترد حديث يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة له نجرانية .

11101 - وحديث الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد أحمر .

[ ص: 209 ] 11102 - وما ذكر أبو حاتم الرازي قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا وهيب - يعني ابن خالد - قال : حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان في وصيته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب في صحاريين وبرد فكفنوني في ثلاثة أثواب .

11103 - قال أبو عمر : كان علي ( رضي الله عنه ) غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفنه ، ومعه الفضل بن عباس وأبوه عباس ، وهم أعلم بذلك ، والله أعلم .

11104 - وقد اتفقت عائشة معهم على أن لا قميص في كفنه ، وإن قولها في هذا الحديث " بيض سحولية " وقد روي عنها من وجوه في حديث هشام بن عروة وغيره أنها من كرسف ( وهو القطن ) وأما السحولية فهي البيض .

11105 - قال المسيب بن علس :


في الآل يخفضها ويرفعها ريع يلوح كأنه سحل



والسحل الثوب الأبيض . شبه الطريق به .

[ ص: 210 ] 11106 - وقد قيل : إن سحول قرية باليمن تصنع فيها ثياب القطن وتنسب إليها .

11107 - وقد روى ابن عيينة وغيره في هذا الحديث عن هشام بن عروة وغيره عن أبيه عن عائشة ، فقال فيه : " ثلاثة أثواب سحولية " لم يقل بيض ، فإذا كان السحل الأبيض استغني عن ذكر البيض .

11108 - وأما الفقهاء فأكثرهم يستحبون في الكفن ما في هذا الحديث ، وكلهم لا يرون في الكفن شيئا واجبا ولا يتعدى وما ستر العورة أجزأ عندهم من الحي والميت .

11109 - وأما ما يستحبونه من الكفن ، فقال مالك ( رحمه الله ) ، ليس في كفن الميت حد ، ويستحب الوتر .

11110 - وفي رواية أخرى عنه : أحب إلي أن يكون كفن الرجل في ثلاثة أثواب ، ولا أحب أن يكون في أقل من ثلاثة أثواب ، فإن كفن في ثوبين فلا بأس ، قد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء اثنين في ثوب .

11111 - قال : ولا بأس بالقميص في الكفن ، ويكفن معه بثوبين فوقه .

11112 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : أدنى ما تكفن فيه المرأة ثلاثة أثواب ، والسنة فيها خمسة أثواب ، وأدنى ما يكفن فيه الرجل ثوبان ، والسنة في ثلاثة أثواب .

11113 - وقال الأوزاعي والثوري : يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، وتكفن المرأة في خمسة أثواب ، وهو آخر قول الشافعي ، وقول أحمد وإسحاق وأبي ثور .

[ ص: 211 ] 11114 - وروي عن الشافعي أنه قال : أحب إلي أن لا يتجاوز في كفن المرأة خمسة أثواب والثوب الواحد يجزئ .

11115 - واستحب ابن علية القميص في الكفن ، وهو قول مالك ، وزعم أصحابه أن العمامة عندهم في كفن الميت معروفة بالمدينة ، وكذلك الخمار للمرأة ، واستحبوا أن يقمص الميت .

11116 - وكان ابن عمر يعمم الميت ، وكان جابر بن عبد الله وعطاء بن أبي رباح لا يعممان .

11117 - وكفن ابن عمر ابنه واقدا في خمسة أثواب ، قميص وثلاث لفائف وعمامة .

11118 - وروى مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : الميت يقمص ويؤزر ويلف في الثوب الثالث ، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه .

11119 - وأما الشافعي فقال : أحب الكفن إلي ثلاثة أثواب بيض ، ليس فيها عمامة ولا قميص ، فإن ذلك الذي اختاره الله ( عز وجل ) لنبيه ، واختاره له أصحابه ( رضي الله عنهم ) .

11120 - قال أبو عمر : قوله صلى الله عليه وسلم : " خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم [ ص: 212 ] وكفنوا فيها موتاكم " أولى ما صير إليه في هذا الباب ، والله الموفق للصواب .

11121 - وقد أجمعوا أن لا تخاط اللفائف ، فدل على أن القميص ليس مما يختار لأنه مخيط ولا حرج في شيء مما استحبوه ، وإن كانوا قد اختلفوا فيه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية