الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
522 490 - مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة وهو مريض : في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ [ ص: 213 ] فقالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، فقال أبو بكر : خذوا هذا الثوب ( لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران ) فاغسلوه ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين ، فقالت عائشة : وما هذا ؟ فقال أبو بكر : الحي أحوج إلى الجديد من الميت ، وإنما هو للمهلة .


11122 - وروى سفيان عن هشام عن عروة عن عائشة أن أبا بكر سألها : في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : في ثلاثة أثواب سحولية قال : فكفنوني في ثلاثة أثواب .

11123 - قال سفيان : وأخبرنا عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي مليكة أن أبا بكر الصديق قال لعائشة : اغسلوا ثوبي هذين ( وكانا مشقين ) فكفنوني فيهما ، وابتاعوا لي ثوبا ولا يغلو عليكم ، فقالت عائشة : إنا موسرون ، فقال : يا بنية الحي أحق بالجديد من الميت ، وإنما هو للمهل والصديد ، وأوصى أسماء وكانت صائمة أن تفطر .

11124 - في هذا الحديث من الفقه ما لم يتقدم في الحديث الذي قبله سؤال العالم كل من كان عنده علم غاب عنه أو نسيه كان مثله في العلم أو دونه .

[ ص: 214 ] 11125 - وهذا الخبر يدل على ما أجمعوا عليه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يل غسله وتكفينه إلا أهله والعباس وعلي والفضل بن عباس ، ولكن ذلك كان في بيت عائشة فلم تجهل ذلك ، ولذلك سألها أبوها أبو بكر - رضي الله عنهما - عن ذلك .

11126 - وفيه الكفن في ثلاثة أثواب ، وذلك استحباب لا استيجاب .

11127 - وفيه غسل ثياب الأكفان وتنظيفها .

11128 - وفيه أنه لا بأس بالكفن البالي ، وأنه والجديد في الفضل سواء .

11129 - وفيه التأديب للبنين وتعليمهم ما يحيطون به دينهم وأموالهم وكذلك قال لهم : الحي أحوج إلى الجديد من الميت .

11130 - وهو من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " لا تغالوا في الكفن ، فإنه يسلب سريعا " وإلى هذا ذهب أبو بكر ، والله أعلم .

11131 - وليس في هذا كله دفع لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " ، ولا ما يعارضه ; لأنه يحتمل حديث جابر هذا هيئة التكفين ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يحب من عبده إذا عمل عملا [ ص: 215 ] أن يتقنه ويحسنه " على أن من كفن أخاه في ثوب نقي أبيض أو ثياب بيض فقد أحسن . والبالي والجديد في ذلك سواء ، والله أعلم .

11132 - وأما قوله : كفنوني في ثوبين مع ثوبي هذا ، فإنه أراد أن يكون كفنه وترا وهي السنة .

11133 - قال إبراهيم النخعي : غسل الميت وتر وكفنه وتر وتجميره وتر .

11134 - وقوله : فإنما هو للمهلة ، فإنه أراد الصديد ، ولا وجه لكسر الميم في المهلة غير ذلك ، وبضم الميم شبه الصديد بعكر الزيت وهو المهل والمهلة ، والرواية بكسر الميم .

11135 - وقال عيسى بن دينار : لا ينبغي لمن لم يجد أن ينقص الميت من ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا لا يجعل له إزار ولا سراويل ولا عمامة ، ولكن يدرج كما أدرج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينبغي أن يزاد الرجل على ثلاثة أثواب ، كذلك ينبغي لمن يجد أن لا ينقص المرأة عن خمسة أثواب درع وخمار وثلاث لفائف يخمر رأسها بالخمار ، وأما الدرع فيفتح في وسطه ثم تلبسه ولا يخاط من جوانبه ، وأحد اللفائف يلف على حجزتها وفخذيها حتى يستوي ذلك منها بسائر جسدها ثم تدرج في اللفافتين الباقيتين كما يدرج الرجل .

[ ص: 216 ] 11136 - قال عيسى : والكفن من رأس المال يجبر الغرماء والورثة على ثلاثة أثواب من رأس مال الميت تكون وسطا .

11137 - قال أبو عمر : قول عيسى في هذا الباب كله حسن ، وجمهور الفقهاء على أن الكفن من رأس المال ، ومن قال : إنه من الثلث ، فليس بشيء ، لأن مصعب بن عمير لم يترك إلا نمرة قصيرة كفنه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يلتفت إلى غريم ولا وارث .

11138 - وقد أجمع العلماء على كراهية الخز والحرير للرجال في الكفن ، ومنهم من كرهه للرجال والنساء في الكفن خاصة .

11139 - وأجمعوا على أنه لا يكفن في ثوب يصف والمصبوغ كله غيره أفضل منه وبعد هذا فما كفن فيه الميت مما يستر عورته ويواريه أجزأه ، وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية