الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 286 ] ( 10 ) باب ما جاء في دفن الميت

506 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ، فقال ناس : يدفن عند المنبر ، وقال آخرون : يدفن بالبقيع فجاء أبو بكر الصديق ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه ، فحفر له فيه ، فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه فسمعوا صوتا يقول لا تنزعوا القميص ، فلم ينزع القميص وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم .


11509 - قال أبو عمر : قد ذكرنا ما يسند من هذا الحديث في كتاب ( التمهيد ) ولم يختلف العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه ، واختلفوا هل كفن في سائر القميص مع سائر أكفانه أو في قميص غيره على ما أوضحنا فيما مضى والحمد لله .

11510 - وقد روى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : أين تدفنونه ؟ فقال أبو بكر : في المكان الذي مات فيه ، قالت : وكان بالمدينة قباران أحدهما يلحد والآخر يشق أو يضرح فبعث إليهما ، فجاء الذي يلحد ، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

11511 - وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : [ ص: 287 ] قبض النبي يوم الاثنين ولم يدفن ذلك اليوم ولا تلك الليلة حتى كان من آخر يوم الثلاثاء قال : وغسل وعليه قميص وكفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وبرد حبرة .

وصلي عليه بغير إمام ، ونادى عمر في الناس خلوا الجنازة وأهلها .

11512 - قال : وأخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال : لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد كانوا يدخلون أفواجا الرجال والنساء والصبيان إلى البيت الذي هو فيه والحجرة فيدعون ثم يخرجون ويدخل آخرون حتى فرغ الناس .

11513 - وفي حديث هذا الباب من الفقه والعلم أيضا ما يدل على أن معرفة السير وأيام الإسلام وتواريخ أعمال الأنبياء والعلماء والوقوف على وفاتهم من علم خاصة أهل العلم ، وأنه مما لا ينبغي لمن وسم نفسه بالعلم جهل ذلك وأنه مما يلزمه من العلم العناية به .

11514 - وسنذكر اختلاف الآثار في مبلغ عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ وفاته ومدة مقامه بمكة من مبعثه وبالمدينة بعد هجرته إليها في كتاب الجامع من هذا الكتاب إن شاء الله لأنه هناك ذكره مالك ( رحمه الله ) .

11515 - ولا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في الموضع الذي [ ص: 288 ] مات فيه من بيته بيت عائشة ( رضي الله عنها ) ، ثم أدخلت بيوته المعروفة لأزواجه بعد موته في مسجده فصار قبره في المسجد صلى الله عليه وسلم .

11516 - وأما قول مالك أنه توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، فهذا مما لا خلاف فيه .

11517 - وأما قوله : ودفن يوم الثلاثاء ، فمختلف فيه قيل يوم الثلاثاء ، وقيل يوم الأربعاء وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله

التالي السابق


الخدمات العلمية