الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
559 520 - وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال : هلكت امرأة لي ، فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني بها فقال : إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد ، وكانت له امرأة وكان بها معجبا ولها محبا ، فماتت فوجد عليها وجدا شديدا ولقي عليها أسفا حتى خلا في بيت وغلق على نفسه واحتجب من الناس فلم يكن يدخل عليه أحد ، وإن امرأة سمعت به فجاءته ، فقالت : إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزيني فيها إلا مشافهته ، فذهب الناس ولزمت بابه وقالت : ما لي منه بد ، فقال له قائل : إن هاهنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت : إن أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب ، فقال : ائذنوا لها ، فدخلت عليه فقالت : إني جئتك أستفتيك في أمر قال : وما هو ؟ قالت : إني استعرت من جارة لي حليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه ، أفأؤديه إليهم ؟ فقال : نعم والله ، فقالت : إنه قد مكث عندي زمانا ، فقال ذلك أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانا ، فقالت : أي يرحمك الله [ ص: 340 ] أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك ؟ فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها .


11784 - قال أبو عمر : ليس في قول المرأة ولا ما ذكرته من العارية على جهة ضرب المثل ما يدخل في مذموم الكذب ، بل ذلك من الخير المحمود عليه صاحبه .

11785 - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس بالكاذب من قال خيرا أو نمى خيرا أو أصلح بين اثنين " .

11786 - وهذا خبر حسن عجيب في التعازي ليس في كل الموطآت وليس فيه ما يحتاج إلى شرح ولا تفسير ولا اجتهاد .

11787 - وفي معنى هذا الخبر من النظم قول لبيد :


وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع

[ ص: 341 ] 11788 - وقول محمد بن دينار :


إنما أنفسنا عارية     والعواري مصيرها أن تسترد
نحن للآفات اعتراض فإن     أخطأتنا فلنا الموت رصد



11779 - وباب التعازي باب لا تحاط أقوال الناس فيه ، وخير القول قول صادف قبولا فنفع .

11790 - ومن أحسن ما جاء في هذا المعنى ما عزى به عمرو بن عبيد سهم بن عبد الحكم بن عبد الحميد على ابن هلك فقال : إن أباك كان أصلك ، وإن ابنك كان فرعك ، وإن امرأ ذهب أصله وفرعه لحري أن يقل بقاؤه .

11791 - وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز : " أما بعد يا أمير المؤمنين ، فإن طول البقاء إلى فناء ما هو فخذ من فنائك الذي لا يبقى لبقائك الذي لا يفنى والسلام " .

التالي السابق


الخدمات العلمية