الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
564 525 - وذكر الحديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار [ ص: 348 ] فمن أهل النار يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة " .


11820 - هكذا قال يحيى في هذا الحديث : حتى يبعثك الله يوم القيامة .

11821 - وهو معنى مفهوم على معنى التفسير والبيان ل " حتى يبعثك الله " .

11822 - وقال القعنبي : حتى يبعثك الله يوم القيامة .

11823 - وهذا أثبت وأوضح من أن يحتاج فيه إلى قول .

11824 - وقال فيه ابن القاسم : حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة .

11825 - وهذا أيضا بين ، يريد حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد وإليه تصير .

11826 - وهو عندي أشبه لقوله " عرض عليه مقعده " ، لأن معنى مقعده عندي والله أعلم : مستقره وما يسير إليه من جنة أو نار .

[ ص: 349 ] 11827 - وكذلك رواه ابن بكير كما روى ابن القاسم ، وقد روي عن ابن بكير : حتى يبعثك الله لم يزد .

11828 - واختلف في هذا الحديث أيضا على عبيد الله بن عمر قريبا من الاختلاف فيه على مالك فيما وصفنا .

11829 - ويحتمل أن تكون الهاء في قوله " حتى يبعثك الله إليه " راجعة على الله تعالى ذكره أي إلى الله فإلى الله المصير وإليه ترجع الأمور ، والأول أظهر عندي والله أعلم .

11830 - وفي هذا الحديث دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان كما يقول جماعة أهل السنة ، وهم الجماعة الذين هم الحجة أهل الرأي والآثار .

11831 - ويدل على ذلك قول الله ( عز وجل ) : " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " البقرة 35 " .

11832 - وقوله تعالى : " لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة " الأعراف 27 .

11833 - وقال : " إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " طه 117 .

11834 - وقال لإبليس : " فاخرج منها فإنك رجيم " الحجر 34 .

11835 - وقال ( عز وجل ) في آل فرعون : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا " غافر 46 .

[ ص: 350 ] 11836 - وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتكت النار إلى ربها . . " الحديث .

11837 - وقوله ( عليه الصلاة والسلام ) : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .

[ ص: 351 ] 11838 - وقوله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فأخذت منها عنقودا " .

11839 - وقوله عليه السلام : " لما خلق الله الجنة حفها بالمكاره ، وخلق النار فحفها بالشهوات " .

11840 - والآثار في أن الجنة والنار قد خلقتا كثيرة جدا .

11841 - ومما يدل على أن المراد في هذا الحديث الجنة والنار ما حدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان . . " فذكر الحديث وفيه قال : " فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ويفرج له فرجة إلى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له : [ ص: 352 ] انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له فرجة إلى الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : هذا مقعدك . . " وذكر تمام الحديث .

11842 - وفيه بيان وتفسير حديث البراء وقد ذكرناه بإسناده في [ ص: 353 ] ( التمهيد ) .

11843 - وفيه قال : " فتعاد روحه إلى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، ويقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، ويقولان له : من نبيك ؟ فيقول : نبيي محمد عليه السلام ، فينادي مناد من السماء صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من طيبها وروحها ويفتح له في قبره مد بصره . . " الحديث .

[ ص: 354 ] 11844 - وفيه في الكافر أنه يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه .

11845 - وهذا الحديث يفسر أيضا حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ويبين المراد منه والله أعلم .

11846 - والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جدا .

11847 - وأما قوله " إن أحدكم " فإن الخطاب موجه إلى أصحابه وإلى المنافقين والله أعلم ، فيعرض على المؤمن مقعده من الجنة وعلى المنافق مقعده من النار .

11848 - وفي هذا الحديث الإقرار بالموت والبعث بعده والإقرار بالجنة والنار .

11849 - وكذا يستدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور وهو أصح ما ذهب إليه في ذلك والله أعلم ، لأن الأحاديث بذلك أحسن مجيئا وأثبت نقلا من غيرها .

11850 - والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا على أنها لا تريم ولا تفارق أفنية القبور بل هي كما قال مالك - رحمه الله - أنه بلغه أن الأرواح تسرح [ ص: 355 ] حيث شاءت .

11851 - وعن مجاهد أنه قال : الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارق ذلك والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية