الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
578 [ ص: 29 ] ( 2 ) باب الزكاة في العين من الذهب والورق

539 - مالك ، عن محمد بن عقبة مولى الزبير ; أنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم . هل عليه فيه زكاة ؟ فقال القاسم : إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة . حتى يحول عليه الحول .

[ ص: 30 ] قال القاسم بن محمد : وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم . يسأل الرجل ، هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة ؟ فإذا قال : نعم . أخذ من عطائه زكاة ذلك المال . وإن قال : لا . أسلم إليه عطاءه ، ولم يأخذ منه شيئا .

540 - مالك ، عن عمر بن حسين ، عن عائشة بنت قدامة ، عن أبيها ; أنه قال : كنت ، إذا جئت عثمان بن عفان أقبض عطائي ، سألني : هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة ؟ قال : فإن قلت : نعم . أخذ [ ص: 31 ] من عطائي زكاة ذلك المال . وإن قلت : لا ، دفع إلي عطائي .

541 - مالك عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول .

542 - مالك ، عن ابن شهاب ؟ أنه قال : أول من أخذ من الأعطية الزكاة ، معاوية بن أبي سفيان .


12285 - قال أبو عمر : قد روي حديث ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . رواه حارثة بن أبي الرجال عن أبيه . عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

12286 - قال أبو عمر : أما أمر المكاتب فمعنى مقاطعته أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل به عتقه ، وهي فائدة لا زكاة على مستفيدها حتى يحول الحول عليها .

12287 - وسيأتي القول في وجوه معاني الفائدة في الزكاة فيما بعد إن شاء الله .

[ ص: 32 ] 12288 - وأما ما ذكره عن أبي بكر وعثمان ، وابن عمر ، فقد روي عن علي ، وابن مسعود ، مثله .

12289 - وعليه جماعة الفقهاء قديما وحديثا لا يختلفون فيه أنه لا تجب في مال من العين ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول ، إلا ما روي عن ابن عباس وعن معاوية أيضا .

12290 - فأما حديث ابن عباس فرواه ابن حبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في الرجل يستفيد المال ، قال : يزكيه يوم يستفيده .

12291 - ذكره عبد الرزاق وغيره عن هشام بن حسان .

12292 - ورواه حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن عبد الله بن عباس ، مثله .

12293 - ولم يعرف ابن شهاب مذهب ابن عباس في ذلك ، والله أعلم فلذلك قال : " أول من أخذ من الأعطية الزكاة : معاوية " . يريد أخذ منها نفسها في حين العطاء لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول عند ربه المستحق للعطية .

12294 - وأما وجه أخذ أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - من [ ص: 33 ] الأعطية زكاة فيما يقر صاحب العطاء أنه عنده من المال الذي تلزم فيه الزكاة بمرور الحول وكمال النصاب ، ففيه تصرف الناس في أموالهم التي تجري فيها الزكاة . وفيه أن زكاة العين كان يقبضها الخلفاء كما كانوا يقبضون زكاة الحبوب والماشية ، ويعاملون الناس في أخذ ما وجب عليهم من الزكاة معاملة من له دين قد وجب على من له عند مال يقتطعه منه .

12295 - ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بقول معاوية وابن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاعي : إذا باع العبد أو الدار فإنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر معلوم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله .

12296 - قال أبو عمر : هذا قول ضعيف متناقض ؛ لأنه وإن كان يلزمه في ثمن الدار والعبد الزكاة ساعة حصل بيده فكيف يجوز تأخيره ذلك إلى شهره المعلوم ؟ وإن كان لا تجب الزكاة في ثمن الدار والعبد إلا بعد استتمام حول كامل من يوم قبضه فكيف يزكي ما لا يجب عليه فيه زكاة في ذلك الوقت .

12297 - وسنبين ما للعلماء من المذاهب في الفوائد من العين ومن الماشية أيضا ، وفي تعجيل الزكاة قبل وقتها كل في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية