الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : عدم جواز الاستنجاء بالعظم والنجس .

قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجزئ أن يستطيب بعظم ولا نجس " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، قد ذكرنا أن الاستنجاء بالعظم لا يجوز وذهب أبو حنيفة إلى جوازه لكونه طاهرا مزيلا كالحجر ، " ودليلنا " رواية شيبان عن رويفع بن ثابت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا صلى الله عليه وسلم منه بريء " . وروي عن عبد الله الديلمي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا . قال : فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وروى صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يستطيبن [ ص: 174 ] أحدكم بالبعر ولا بالعظم " . ولأن العظم لا يخلو إما أن يكون مذكى أو غير مذكى .

فإن كان غير مذكى فهو نجس والاستنجاء بالنجس لا يجوز .

وإن كان مذكى فهو مطعوم والاستنجاء بالمطعوم لا يجوز لما دللنا عليه ولأن في العظم سهوكة لزوجته تمنع من الإزالة فإذا ثبت أن الاستنجاء به غير جائز ، سواء كان العظم الذي يستنجي به رخوا رطبا أو كان قويا مشتدا ، قديما كان أو حديثا ، ميتا كان أو ذكيا ، فإن أحرق بالنار حتى ذهبت سهوكة لزوجته وخرج عن حال العظم فإن كان عظم ميت لم يجز الاستنجاء به لأنه نجس عندنا والنار لا تطهر النجاسة ، وإن كان مذكى فقد اختلف أصحابنا في جواز استعماله بعد إحراقه على وجهين :

أحدهما : يجوز أن يستعمل لأن النار قد أحالته عن حاله فصارت كالدباغة تحيل الجلد المذكى عما كان عليه إلى حال يجوز الاستنجاء به .

والوجه الثاني : لا يجوز الاستنجاء به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الروث والرمة ، ومعلوم أن الرمة هي العظم البالي فلا فرق أن يصير باليا بمرور الزمان ، وبين أن يصير باليا بالنار ، والشاهد على أن الرمة هي العظم البالي قول جرير لابنه في شعره :


فارقتني حين غض الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرمة البالي

والفرق بين النار في العظم وبين الدباغة في الجلد أن الدباغة تنقل الجلد إلى حال زائدة فأفادته حكما زائدا ، والنار تنقل العظم إلى حال ناقصة ، فكان أولى أن يصير حكمه ناقصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية