الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : لا اختلاف بين العلماء أن أول النصاب في الإبل خمس ، وأن الواجب فيها شاة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " في كل خمس شاة " ولرواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " ، والذود من الثلاثة إلى التسعة ، فإذا صارت عشرا فما فوق صرة من الإبل ، فإذا بلغت مائة قيل هنيدة ، ويقال هنيدية ، فإذا نقصت إبل الرجل عن خمس فلا شيء فيها ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة إلى تسع ، فإذا بلغت عشرا إلى أربع عشرة ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ، إلى تسع عشرة ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه ، إلى أربع وعشرين ، وهي غاية العدد الذي يجب في فريضة الغنم . فأما صفة هذه الشياه ، وهي كل شاة يجوز أضحيتها إما جذعة من الضأن أو ثنية من المعز ، ولا وجه لمن قال من أصحابنا : كل ما انطلق عليه اسم شاة أجزأت وإن لم تجز في الضحايا ؛ لأن مطلق هذا الاسم في الشرع يتناول ما قيد وصفه من الضحايا كالدماء الواجبة في الحج ، ثم لأصحابنا في هذه الشاة ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها تجزي ذكرا وأنثى كالضحايا ، وهو قول أبي إسحاق المروزي .

[ ص: 78 ] والثاني : أنها لا تجزي إلا أنثى كالواجبة في الزكاة .

والثالث : وبه قال بعض متأخري أصحابنا البصريين ، أنه إن كانت الإبل إناثا لم تجز الشاة إلا أنثى ، وإن كانت ذكورا أجزأ ذكرا وأنثى ، اعتبارا بوصف المال ، كما يؤخذ من الكرام كريم ومن اللئام لئيم ، فأما الوقص فهو ما بين النصابين كالأربعة إلى الخمس والعشرة ، ففيه قولان منصوصان :

أحدهما : وبه قال البويطي ، وإليه ذهب محمد بن الحسن ، أن الفرض مأخوذ من جميعه ، فتكون الشاة مأخوذة من التسعة .

والقول الثاني : وبه قال في القديم والجديد ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ، أن الشاة مأخوذة من الخمس ، والوقص الزائد على ذلك عفو ، وسنذكر توجيه القولين ، وما يتفرع عليهما في موضعه إن شاء الله سبحانه ، وإذا صارت الإبل خمسا وعشرين ، انتقل الفرض من الغنم إلى الإبل ، ووجب فيها بنت مخاض ، وبه قال كافة أهل العلم ، إلا ما حكي عن علي رضي الله عنه وعامر الشعبي ، أن في خمس وعشرين خمس شياه ، فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض ؛ استدلالا برواية شعبة وزهير ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه ، وفي ستة وعشرين بنت مخاض " وهذه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ثابتة ، والحكاية عن علي والشعبي غير صحيحة ، ولو سلمنا هذه الرواية لكانت رواية أنس وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في خمس وعشرين بنت مخاض " أولى من وجوه .

أحدها : ثقة الرواة ، وصحة الإسناد .

والثاني : اتفاقهم على أن حديث أنس وابن عمر متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وشكهم في حديث علي عليه السلام هل هو موقوف عليه أو متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن زهيرا يقول : أجبته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الحديث المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم إجماعا أولى .

والثالث : أنه رواية أنس وابن عمر معول على جميعها ، وحديث علي عليه السلام متفق على ترك بعضه .

والرابع : أن حديث أنس أشبه بأصول الزكاة من حديث علي عليه السلام ؛ لأن سائر النصب لا تقترن حتى يتخللها وقص لا يؤثر في الزكاة ، فأما صفة بنت مخاض ، فهي : التي لها سنة كاملة وقد دخلت في الثانية ، وإنما سميت بنت مخاض ؛ لأن أمها قد مخضت [ ص: 79 ] بغيرها أي : حملت ، والماخض : الحامل ، وهذا السن هو أولى للانتفاع بالإبل ؛ لأن ما دون ذلك لا انتفاع به في الغالب ، وجملة ذلك أن الناقة إذا وضعت ولدها لدون وقته وأوانه قيل : خدجت الناقة وقيل : سمي خديج إذا وضعته لوقته وزمانه ، غير أنه ناقص الخلق في نفسه ، قيل : أخدجت الناقة ، وسمي مخدوج ، فإذا وضعته تاما قيل له هبع وربع ثم فصيل ثم مليل ثم حوار ثم جاسر ، فإذا تم سنة قيل ابن مخاض للذكر وبنت مخاض للأنثى .

التالي السابق


الخدمات العلمية