الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا تجب الزكاة إلا بالحول " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

[ ص: 88 ] الأموال على ثلاثة أضرب : مال نام بنفسه ، ومال مرصد للنماء ، ومال غير نام بنفسه ، فأما النامي بنفسه ، فمثل المواشي والمعادن والزرع والثمار ، وأما المرصد للنماء والمعد له فمثل الدراهم والدنانير وعروض التجارات ، والفرق بين هذين المالين : أن النماء فيما هو نام بنفسه تابع للملك لا للعمل ، والنماء فيما كان مرصدا للنماء تابع للعمل والتقلب لا للملك ، ألا ترى : أنه لو غصب ماشية فنتجت أو نخلا فأثمرت كان النتاج والثمرة لرب الماشية والنخل دون الغاصب ، ولو غصب دراهم أو دنانير فنمت بالتقلب والتجارة كان النماء الزايد للغاصب دون رب الدراهم والدنانير ، وأما الذي ليس بنام في نفسه ولا مرصدا للنماء ، فهو كل مال كان معدا للقنية ، كالعبد المعد للخدمة ، والدابة المعدة للركوب ، والثوب المعد للبس ، فأما ما لا يرصد للنماء ، ولا هو نام في نفسه فلا زكاة فيه إجماعا ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " فنص عليها تنبيها على ما كان في معنى حكمها ، وأما المال النامي بنفسه ، فينقسم قسمين : قسم يتكامل نماؤه بوجوده ، وقسم لا يتكامل نماؤه إلا بمضي مدة بعد وجوده ، فأما ما يتكامل نماؤه بوجوده فمثل الزرع والثمرة ، فلا يعتبر فيه الحول إجماعا ، وعليه أداء زكاته بعد حصاد زرعه ودياسه ، وجداد ثمرته وجفافها ، والتزام المؤن فيها ، وما لا يتكامل نماؤه إلا بمضي مدة بعد وجوده ، فمثل المواشي ، والحكم فيها وفيما أرصد للنماء مثل الدراهم والدنانير وعروض التجارات واحد لا زكاة في شيء منها حتى يحول عليه الحول ، وهو قول أكثر الصحابة وكافة التابعين والفقهاء .

وقال عبد الله بن عباس : إذا استفاد مالا بهبة أو بميراث أو بالعطاء لزمته زكاته من غير حول يعتبر .

وقال عبد الله بن مسعود : يزكي العطاء وحده دون غيره ، قالا ؛ لأن نماء ذلك متكامل بوجوده فلم يفتقر إلى حول كالركاز وغيره .

والدلالة عليهما رواية عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول " .

وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول " .

[ ص: 89 ] ولأن زكاة الأموال وجبت لنمائها فاقتضى أن يكون زمان النماء وهو الحول معتبرا فيها ، ولأن الزكاة وجبت على المسلمين نعمة وتطهيرا ، والجزية على المشركين نقمة وصغارا ، فلما لم تجب الجزية إلا بالحول لم تجب الزكاة إلا بالحول ، وإذا ثبت أن النصاب والحول معتبر في وجوب الزكاة فهل يتعلق وجوب الزكاة بهما أو بشرط ثالث ينضم إليهما ؟ على قولين : أحدهما : قاله في الإملاء : إن الزكاة واجبة بهما وبشرط ثالث ، وهو إمكان الأداء ، فيكون وجوبها بثلاثة شرائط : بالنصاب والحول وإمكان الأداء .

والقول الثاني :

قاله في " الأم " : إن الزكاة واجبة بشرطين لا غير : النصاب والحول ، فأما إمكان الأداء فمن شرائط الضمان ، وسنفرع على هذين القولين بما يوضح عنهما إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية