الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان الفرضان معيبين بمرض أو هيام أو جرب أو غير ذلك وسائر الإبل صحاح ، قيل له إن جئت بالصحاح وإلا أخذنا منك السن التي هي أعلى ورددنا أو السن التي هي أسفل وأخذنا ، والخيار في الشاتين أو العشرين درهما إلى الذي أعطى ، ولا يختار الساعي إلا ما هو خير لأهل السهمان وكذلك إن كانت أعلى بسنين أو أسفل فالخيار بين أربع شياه أو أربعين درهما " .

قال الماوردي : وهذا صحيح إذا كان معه مائتان من الإبل صحاحا ، وكان الفرضان حقا فيهما معيبين بمرض أو هيام ، وهو داء يأخذ الإبل في أجوافها فلا تزال تكرع الماء عطاشا حتى تموت . قال الشاعر :

القوم هيم والأداوى يبس إن ترد الماء بماء أكيس

، أو جرب وهو الداء المعروف ، لم يجز أن يخرج الفرض معيبا مع صحة ماله ، قال الله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه ، [ البقرة : 267 ] ، وروى أنس بن [ ص: 97 ] مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما كتب له إلى البحرين ، كان له في كتابه : " لا تأخذ هرمة ولا ذات عيب " .

وروى الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر أنه كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم : ولا تأخذ هرمة ولا ذات عوار ولأن أمر الزكوات مبني على المعادلة بين المساكين وأرباب الأموال والرفق بهما ، فلما لم يأخذ من المعيب صحيحا رفقا برب المال ، لم يأخذ من الصحيح معيبا رفقا بالمساكين ، فإذا تقرر أنه لا يجوز أخذ المعيب فيها ، قيل لرب المال : أنت بالخيار أن تأتينا بفرضها من غيرها ، إما أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون تشبه مالك ، وبين أن نأخذ منك السن الأعلى ، أو تعطي السن الأدنى وتأخذ ، فإن صعد إلى السن الأعلى وهو الجذاع ، صعد إليها من الحقاق لا من بنات اللبون ، لأنه إذا صعد من بنات اللبون صعد إلى الحقة وهي فرضه ، وإن أراد النزول نزل من بنات اللبون إلى بنات المخاض ، ولا ينزل من الحقاق إليها لما ذكرنا .

فأما قول الشافعي : فإن كان الفرضان معيبين بمرض أو هيام أو غير ذلك وسائر الإبل صحاح ، فيعني وباقي الإبل صحاح ؛ لأن لفظة " سائر " إنما تستعمل في موضع كل على وجه المجاز ، وإلا فهي مستعملة فيما بقي حقيقة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أكلتم فاسأروا " أي فبقوا . وقال الأعشى :

بانت وقد أسارت في النفس حاجتها     بعد ائتلاف وخير القول ما نفعا

ولذلك يقال لما بقي في الإناء سؤر .

التالي السابق


الخدمات العلمية