الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الشرط الأول في اختيار النصاب ، فقد خالف فيه مالك ، فقد قال : لا اعتبار بكون الأمهات نصابا ، بل تضم السخال وإن كانت الأمهات دون النصاب ، واستدل بأنه نماء مال في أثناء الحول فوجب أن يكون كالموجود في أول الحول .

أصل ذلك : إذا كانت الأمهات أربعين . قال : ولأن أصول الزكوات مبنية على أن النماء الحادث من المال لا يعتبر في إيجاب زكاته أن يكون تابعا لنصاب مزكى ، ألا ترى أن الأصول تشهد له من وجهين :

أحدهما : عروض التجارات ، إذا اشترى عرضا بمائة درهم ، فربح فيه مائة درهم ، زكى الأصل والنماء ، لأنهما نصاب ، وإن لم يكن النماء تابعا للنصاب .

والثاني : إن ملك مائة درهم أحد عشر شهرا ، ثم وجد مائة درهم ركازا زكاهما ، لأنهما نصاب ، وإن لم يكن الركاز والنماء تبعا لنصاب ، كذلك هاهنا .

وذهب الشافعي وأبو حنيفة : إلى أن كون الأمهات نصابا شرط في وجوب ضم السخال إليها ، فإن كانت الأمهات دون النصاب ، لم يجب ضمها ، فإذا كملت مع السخال نصابا ، استؤنف لها الحول من يوم كمالها .

والدلالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إلا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول " وهذا مال لم يحل الحول على الأمهات منه ولا السخال ، فاقتضى أن لا يتعلق به وجوب الزكاة ، ولأنها زيادة كمل بها نصاب الحيوان فوجب أن يكون حولها من يوم كمالها ، كما لو ملك السخال من غير نتاجها من بيع أو غيره ، ولأن السخال من الأموال التي لا تجب الزكاة فيها إلا [ ص: 115 ] بالحول ، إلا أن حولها تارة يكون بنفسها وتارة يكون بغيرها ، ولا يجوز أن يتبع الغير في الحول ، ولا حول للغير ، فثبت أن حولها معتبر بنفسها .

فأما الجواب عن قياسهم على النصاب ، فالمعنى فيه أن الحول ثابت للأمهات ، فجاز أن تتبعها السخال في حولها ، وليس كذلك ما دون النصاب ، وأما استشهادهم بالأصول في زكاة العروض ، ومسألة الركاز ، فالجواب عنه ، أن يقال : أما مسألة عرض التجارة إذا اشتراه بدون النصاب ثم باعه بنصاب ، فقد كان أبو العباس بن سريج يسوي بينه وبين السخال ، ويقول : لا زكاة فيه إلا أن يشتري العرض بنصاب ، أو تكون قيمته يوم الشراء نصابا ، فعلى هذا سقط السؤال .

وقال سائر أصحابنا : وهو ظاهر مذهب الشافعي أن زكاة العرض واجبة إذا كانت قيمته عند الحول نصابا ، وإن كان قد اشتراه بدون النصاب ، فعلى هذا الفرق بينه وبين السخال أن اعتبار تقويم العرض بنصاب يشق غالبا ، ولا يشق أن يعتبر كون الأمهات نصاب ، فلذلك سقط اعتبار النصاب في الأمهات ، لارتفاع مشقته ، توضيح ذلك أنه لو اشترى عرضا بنصاب ، ثم نقصت قيمته في تضاعيف الحول عن النصاب ، ثم عادت القيمة عند الحول إلى النصاب ، لزمته الزكاة ولم يسقط حكم ما مضى من الحول بنقصان القيمة ، ولو ملك أربعين شاة فتلف منها في تضاعيف الحول شاة ، ثم ملك مكانها شاة ببيع أو هبة استؤنف الحول ، وبطل حكم ما مضى منه بنقصان الشاة ، فقد وضح بما بيناه الفرق بين العرض والسخال .

وأما مسألة الركاز فقد اختلف أصحابنا فيها ، فكان بعضهم يوجب الزكاة في المائة الركاز دون غيرها ؛ لأن الركاز مما يعتبر فيه النصاب ولا يعتبر فيه الحول ، والمائة الأخرى يعتبر فيها النصاب والحول ، فلذلك وجبت زكاة الركاز لوجود النصاب ، ولم تجب زكاة المائة الأخرى لفقد الحول ، فعلى هذا القول السؤال ساقط ، وقال آخرون من أصحابنا : بل زكاتها واجبة ؛ لأن النصاب فيها موجود ، والحول فيما يعتبر فيه موجود ، فوجب أن تلزم الزكاة فيها لوجود شرط الإيجاب فيها ، فعلى هذا الفرق بينه وبين السخال أن الركاز لا يعتبر فيه الحول ، والسخال يعتبر فيها الحول ، إما بنفسها أو تبعا لأمهاتها ، فافترق حكمهما في الزكاة لافتراق معناهما في الوجوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية