الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الشرط الثاني : وهو أن تكون السخال من نتاج غنمه ، فقد خالف أبو حنيفة ومالك في اعتبار هذا الشرط فقالا : كل ما استفاد من جنس ما ضمه إليه في حوله ، وأخرج زكاته تبعا لماله ، سواء كان من نتاج ماله ، أو ملكه بابتياع أو هبة . وقد ذكر الشافعي هذه المسألة فيما بعد ، لكن تقدم الكلام فيها ؛ لأن هذا الوضع أليق بها ، فأما مخالفنا فاستدل

[ ص: 116 ] برواية ابن الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اعلموا شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم ، فما حدث بعد ذلك فلا زكاة فيه حتى يجيء رأس السنة " ، فقد بين أن السنة تجمع لزكاة المالين جميعا من الأصل المستفاد ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في خمس شاة ، ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرا " ، فاقتضى الظاهر أنها متى بلغت عشرا بفائدة منها أو من غيرها وجب تغيير الفرض بها ، وقال صلى الله عليه وسلم لساعيه " عد عليهم صغيرها وكبيرها " ولم يفرق ، ولأنها زيادة من نفس ماله ، فوجب إذا لم يزل بدله أن يضمه إلى حول ما عنده ، كالنتاج وأرباح التجارات ، ولأن الزكاة تفتقر إلى عدد وأمد ، فالعدد النصاب ، والأمد الحول ، فلما لم يعتبر في المستفاد النصاب لم يعتبر فيه الحول .

والدلالة على أن كل مال مستفاد من غير النتاج يجب استئناف حوله ولا يكون تابعا لحوله قوله صلى الله عليه وسلم " لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول " فكان عاما وروى زيد بن أسلم عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول " وهذا نص ، وقد رواه أيضا جابر بن زيد عن ابن عمر ، ورواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنه أصل في نفسه تجب الزكاة في عينه ، فوجب أن لا يعتبر حوله بغيره . أصله : إذا كانت الفائدة من غير جنس ماله ، ولأنها فائدة غير متولدة مما عنده تجب الزكاة في عينها ، فوجب أن يكون حولها معتبرا بنفسها ، أصله ما وافقنا عليه أبو حنيفة فيمن معه مائتا درهم ، قد أخرج زكاتها ، وأربعون من الغنم من بقي شهر من حولها ، فاشترى بالمائتين إحدى وثمانين شاة .

قال أبو حنيفة : لا يجب أن يزكيها بحول الأربعين ، ويستأنف لها الحول من يوم ملكها ، لأنه قد زكى أصلها وهو المائتان ، ولو لم يزك أصلها ضمها ، وهذا حجة عليه مقنعة ، ولأن في ضم المال المستفاد من غير النتاج ما يؤدي إلى مخالفة أصول الزكوات ، لأنها تجب في الحول مرة ، وذلك يؤدي إلى إيجابها في الحول مرارا .

مثال : فيمن معه خمس من الإبل قد بقي من حولها يوم ، فابتاع خمسا من الإبل فزكاها بعد يوم ثم باعها على رجل معه خمس من الإبل قد بقي من حولها يوم فزكاها الثاني بعد يوم ثم باعها على ثالث حاله كذلك ، ثم على رابع ، وخامس فيؤدى زكاة الخمس في السنة الواحدة مرارا ، وهذا مناف لأصول الزكوات المقدرة على إيجابها في كل حول مرة .

فأما الجواب عن استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم " اعلموا شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم ، فما حدث بعد ذلك فلا زكاة فيه حتى يجيء رأس السنة " فلا حجة فيه ، لأنه يحتمل رأس السنة [ ص: 117 ] المستفاد فيها ، ويحتمل رأس سنة الأصل ، ومع هذا الاحتمال فحمله على سنة المستفاد أولى ، لقوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول " وأما قوله صلى الله عليه وسلم " في خمس من الإبل شاة ، ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرا " فهذا إنما أراد به بيان المقادير دون ضم المستفاد ، فلم يجز حمله على غير المراد وكذلك قوله لساعيه :عد عليهم صغيرها وكبيرها " أراد به بيان الحكم في الصغار والكبار ، فلم يجز حمله على غيره ، وأما قياسهم على نتاج ماله ، فالمعنى فيه أنها متولدة مما عنده ، وأما قولهم إنه لما لم يعتبر في المستفاد النصاب لم يعتبر فيه الحول ، فينكسر عن اتباع ماشيته بمال قد زكاه ، فلا يجب عندهم أن يضمه إلى حول ماشيته ، ويستأنف حوله من يوم ملكه ، فكان الحول معتبرا وإن لم يكن النصاب معتبرا ، على أن الفرق بين النصاب والحول ، أن النصاب اعتبر ليبلغ المال قدرا يتسع للمواساة ، وهذا حاصل بوجود ما استفاده ، والحول اعتبر ليتكامل فيه نماء المال ، وهذا غير حاصل بوجود ما استفاده حتى يحول حوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية