الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويأخذها على مياه أهل الماشية وعلى رب الماشية أن يوردها الماء لتؤخذ صدقتها عليه وإذا جرت الماشية عن الماء فعلى المصدق أن [ ص: 156 ] يأخذها في بيوت أهلها وأفنيتهم وليس عليه أن يتبعها راعية ويحصرها إلى مضيق تخرج منه واحدة واحدة فيعدها كذلك حتى يأتي على عدتها " .

قال الماوردي : قد مضى الكلام في المسألة الأولى في زمان الأخذ والكلام في هذه المسألة في كيفية الأخذ ، وفي موضع الأخذ ، فلا يخلو حال الماشية من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يجدها في بيوت أهلها ، فهناك يأخذ زكاتها .

والقسم الثاني : أن يجدها على مياه أهلها ، فلا يكلف رب المال أن يسوقها إلى بيته ، ويأخذ زكاتها على ماء شربها ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لحارثة بن قطن ومن بدومة الجندل من كلب : إن لنا الضاحية من البعل ولكم الضاحية منه من النخل ، لا نجمع سارحتكم ولا نعد فاردتكم .

قال أبو عبيد : فالضاحية هي النخل الظاهرة في البر ، والبعل ما يشرب بعروقه من غير سقي ، والضاحية ما تضمها أمصارهم وقراهم ، وقوله : " لا نجمع سارحتكم " أي : لا يجمع المواشي السارحة إلى الصدقة ، وقوله " لا نعد فاردتكم " : لا تضم الشاة الفاردة إلى الشاة الفاردة ليحتسب بها في الصدقة .

والقسم الثالث : أن يجدها راعية ، فلا يكلف الساعي أن يتبعها راعية لما يناله من المشقة في اتباعها ، ولا يكلف رب المال أن يجلبها إلى فناء داره لما عليه من المشقة في جلبها ، بل على رب المال أن يجمعها على الماء ، فإن ذلك أرفق بهما ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا جلب ولا جنب " يعني : أنه ليس على أرباب الأموال جلبها إلى بيوتهم ، ولأنهم أن يجانبوها فيتبعها الساعي في مراعيهم ، وقال قتادة : الجلب والجنب في الرهان وقد كان للسعاة فيها طبل يضربون به عند مخيمهم ؛ ليعلم أرباب الأموال فيتأهبوا لجمع مواشيهم ، وفي ذلك يقول جرير :

أتانا أبو الخطاب يضرب طبله فرد ولم يأخذ عقالا ولا نقدا



قيل : إن العقال الماشية ، والنقد الذهب والورق ، وقيل بل العقال القيمة ، والنقد الفريضة ، وقيل العقال صدقة عامين ، والنقد صدقة عام ، وأنشد ثعلب :


سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا     فكيف لو قد سعى عمرو عقالين ؟
لا صبح الحي أوتادا ولم يجدوا     عند التفرق في الهيجا جمالين



[ ص: 157 ] فهذا الكلام في موضع الأخذ .

فأما كيفية الأخذ : فهو : أن يبدأ الساعي بأسبق المواشي وأقربها إليه ، فيأمر بضمها إلى مضيق من جدار أو حظار أو جبل ، ويحضر الكاتب فيكتب اسم مالكها ، ويقف العاد في أضيق المواضع ليعدها ، والحشار يحشرها ليعدها العاد بعيرا بعيرا ، ويكون بيده عود يشير به إليها ويرفع صوته بالعدد لتؤمن عليه الخيانة والغلط ، حتى يأتي على جميع الماشية ، ثم يثبتها الكاتب على رب المال .

قال الشافعي : وهذا أخصر العدد وأوحاه ، وبه جرت العادة ، فإن ادعى رب المال غلطا على الساعي ، أو ادعى الساعي غلطا على رب المال أعيد العدد ليزول الشك .

التالي السابق


الخدمات العلمية