الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن سأله أهل السهمان أن يتعجل لهم دون رب المال فعلى الأقسام الماضية ؛ لأن الأقسام فيها متماثلة وإنما الأجوبة مختلفة ، فلم يكن بد من إعادة الأقسام وإن تكررت ليصح تقسيم المسألة ، ويبين جواب كل قسم ، فأحد الأقسام الثلاثة : أن يكون الوالي قد صرفها في أهل السهمان .

والثاني : أن تكون في يده .

[ ص: 166 ] والثالث : أن تكون قد تلفت من يده ، فإن كان قد صرفها في أهل السهمان فللدافع والمدفوع إليه عند حلول الحول أربعة أحوال على ما مضى ، أحدها : أن يكونا معا من أهل الزكاة فلا يرجع .

والثاني : أن يكونا معا من غير أهل الزكاة فلرب المال أن يرجع بها على الوالي ، ويرجع بها الوالي على أهل السهمان ، بخلاف ما مضى قبل ؛ لأن الوالي هو الآخذ وليس بنائب عن رب المال فيلزمه رد ما أخذه ، فإن كانت باقية استرجعها بعينها ؟ وإن كانت تالفة فإن كانت ورقا أو ذهبا استرجع مثلها ، وإن كانت حيوانا فعلى وجهين كالقرض ، لأنه يسترجعها في حق نفسه لا في حق أهل السهمان .

والثالث : أن يكون الدافع من أهل الزكاة والمدفوع إليه غير مستحق للزكاة فعلى الوالي استرجاعها من المدفوع إليه ، وصرفها في غيره ممن يستحقها ، وليس لرب المال استرجاعها ؛ لأن إخراجها واجب عليه ، فإن كانت باقية استرجعها الوالي بعينها وصرفها في مستحقيها من أهل السهمان ، وإن كانت تالفة استرجع مثلها وإن كانت حيوانا ، لأنه يسترجعها في حق أهل السهمان فوجب أن يسترجع ما يصرف مصرف الزكاة وهو العين دون القيمة .

والرابع : أن يكون الدافع ممن لا تجب عليه الزكاة والمدفوع إليه ممن يستحق الزكاة ، فلرب المال أن يرجع بها على الوالي ، وللوالي أن يرجع بها على المدفوع إليه ، فإن كانت باقية استرجعها بعينها ، وإن تلفت وهي حيوان فعلى وجهين كالقرض ، لأنه يسترجعها في حق رب المال لا في حق أهل السهمان .

أحدهما : يسترجع القيمة .

والثاني : يسترجع المثل ، وإن كانت الزكاة في يد الوالي فعليه صرفها في أهل السهمان ، وليس لرب المال أن يرجع بها بخلاف ما لو سأله أن يتعجلها إلا أن يتغير حاله عند الحول ؛ لأن يد الوالي هاهنا يد لأهل السهمان ، وهناك يد لرب المال ، وإن كانت الزكاة قد تلفت من يد الوالي فلا ضمان عليه ما لم يفرط ، وهي تالفة من مال أهل السهمان ، لأنه نائب عنهم ، وقد أدى ذلك رب المال ، فإن تغيرت حال رب المال عند الحلول كان له أن يرجع بها على الوالي ، ويرجع بها الوالي في مال أهل السهمان ، فإن كانت باقية استرجعها بعينها ، وإن كانت تالفة وهي حيوان فعلى وجهين : لأنه يرجع بها في حق نفسه لا في حق أهل السهمان . فهذا الكلام فيه إذا سأله أهل السهمان ، ولو رأى الإمام بأطفال المساكين حاجة إلى التعجيل وكانوا أيتاما فاستسلف لهم فتلف في يده من غير تفريط فقد اختلف أصحابنا في استسلافه وضمانه على وجهين :

[ ص: 167 ] أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : ليس للوالي أن يستسلف لغير البالغين من الفقراء والمساكين ، فإن فعل كان ضامنا ؛ لأن لهم حقا في خمس الخمس وسهما فيه ليستغنون به عن غيره .

والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : ليس له أن يستسلف لهم ولا ضمان عليه إن تلف ، لأنهم ممن يستحقون أخذ الزكاة عند وجوبها فجاز تعجيلها فيهم قبل وجوبها كالبالغين ، ولأنه لما كان للوالي النظر على البالغين منهم ، فلأن يكون له النظر على أيتامهم أولى ، ويقوم نظره لهم عند الحاجة مقام إذنهم في التعجيل ومسألتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية