الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا عجل شاتين من مائتي شاة فحال الحول وقد زادت شاة أخذ منها شاة ثالثة فيجزي عنه ما أعطى منه ، ولا يسقط تقديمه الشاتين الحق عليه في الشاة الثالثة ؛ لأن الحق إنما يجب عليه بعد الحول ، كما لو أخذ منها شاتين فحال الحول وليس فيها إلا شاة رد عليه شاة " .

قال الماوردي : وهذا كما قال :

إذا عجل بزكاة ماله قبل الحول فقد ملكها المساكين بالأخذ ويستقر ملكهم عليها بالوجوب ، لكنها في حكم ملكه قبل الحول حتى يستقر عليه الوجوب ، فإذا حال الحول ضم ما عجل إلى ما بيده وزكاهما معا ، فلو كان معه أربعون شاة عجل منها شاة ثم حال الحول عليه تسعة وثلاثين والشاة المعجلة لزمته الزكاة ، ولو كان معه مائتا شاة فعجل زكاتها شاتين ظنا منه بأنهما قدر زكاته فلم يحل الحول حتى نتجت شاة وصارت مع التعجيل مائتي شاة وشاة ، كان عليه إخراج شاة ثانية اعتبارا بقدر ماله عند الحول ، ولو كان معه مائتا شاة وشاة فعجل زكاتها ثلاث شياه فلم يحل الحول حتى تلف من غنمه شاة ، وبقي معه مع ما عجله مائتا شاة ، كان له أن يسترجع من التعجيل شاة ، اعتبارا بقدر ماله عند الحول .

وقال أبو حنيفة : ما عجله كالتالف لا يجب ضمه إلى ما في يده ولا يجوز إذا كان معه أربعون شاة أن يعجل منها شاة ؛ لأن الباقي يقل عن النصاب ، فإن عجل منها شاة كانت كالتالفة ولا زكاة عليه فيما بقي ؛ لنقصه عن النصاب ، فإن كان معه إحدى وأربعون شاة ، جاز أن يعجل منها شاة ؛ لأن الباقي نصاب ، وكذا نقول في نصب الزكوات كلها ، احتجاجا بأن التعجيل خارج عن ملكه داخل في ملك آخذه ، لجواز تصرفه فيه وانتفاعه به ، فلم يجز أن يلزمه زكاة مال هو في ملك غيره ، ولا أن يضم إلى جملة ماله .

والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : " أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في تعجيل صدقته ، فرخص له ولم يسأله هل الباقي بعد التعجيل نصاب ، أو دون النصاب ؟ فدل على تساوي الحكم فيهما ، ولأن التعجيل إما أن يكون كالأموال المتلفة فلا يلزمه زكاتها ، أو الموجودة في ملكه فيلزمه زكاتها ، فلما أجزأه التعجيل عن زكاته ثبت أنها كالموجودة في ملكه ؛ لأن ما أتلفه غير مجز في الزكاة ، ولأن الزكاة إنما تعجل للمساكين رفقا بهم ونظرا لهم ، وفي إخراج القدر المعجل من الزكاة إضرار بهم ؛ لأنه إذا عجل شاة عن مائة وعشرين [ ص: 177 ] ثم نتجت شاة ، فقد أسقط عليهم على قياس قوله شاة ؛ لأنه لو لم يعجل لزمته شاتان ، وإذا عجل لزمته شاة ، فيصير إضراره بالنقص أكثر من نفعه بالتعجيل ، وذلك خارج عن الموضوع .

فأما الجواب عما احتج به من خروج ذلك عن ملكه فهو أن يقال : التعجيل وإن كان خارجا عن ملكه فهو في حكم ملكه ، لإجزائه عن فرضه ، وقد يلتزم زكاة ما في ملكه حكما وإن لم يكن في ملكه قبضا كالدين الثابت له في الذمم المالية ، هو في ملكه من طريق الحكم ، وزكاته لازمة له كذلك فيما عجل . والله أعلم وهو الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية