الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 178 ] باب النية في إخراج الصدقة

قال الشافعي رضي الله عنه : " إذا ولي إخراج زكاته لم يجزه إلا بنية أنه فرض " .

قال الماوردي : وهذا كما قال :

إخراج الزكاة لا يصح إلا بنية ، فإن أخرجها بغير نية لم يجزه ، وبه قال كافة العلماء إلا ما حكي عن الأوزاعي : أن إخراجها لا يفتقر إلى نية ، استدلالا بأن الزكاة إذا وجبت صارت دينا في الذمة ، والديون في الذمم لا تفتقر إلى نية في الأداء كديون الآدميين ، ولأن ولي اليتيم يخرج الزكاة عنه واليتيم لا نية له ، والوالي يأخذها كرها من مال من امتنع والمكره لا نية له ، فلو كانت النية واجبة ما أجزأت الزكاة عن هذين لفقد النية منهما ، وفي إجزائهما عنهما دليل على أنها غير واجبة .

والدلالة عليه قوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ البينة : 5 ] ، فجعل الإخلاص وهو النية شرطا في صحة العبادة .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . فدل على أن ليس له ما لم ينوه ، ولأنها عبادة تتنوع فرضا وهو الزكاة ونفلا وهو التطوع ، فوجب أن تفتقر إلى النية كالصلاة والصيام .

فأما الجواب عما استدل به من قضاء الدين فالمعنى فيه أنه ليس بعبادة ، إنما هو حق لاحق لآدمي فلم تلزم فيه النية ، والزكاة عبادة لله تعالى فوجب فيها النية ، ألا ترى أن ما كان من حقوق الآدميين متعلقا بالبدن كالقصاص وحد القذف ، لا يفتقر إلى نية ، فكذلك ما تعلق بالمال ، وما كان من حقوق الله تعالى متعلقا بالسر كالصلاة والصيام يفتقر إلى نية ، فكذلك ما تعلق بالمال . وأما ما ذكروه من إخراج الولي زكاة اليتيم ، وأخذ الوالي زكاة الممتنع ، فالجواب عنه أن ولي اليتيم هو المخاطب بالإخراج ، فأجزأت نيته ، والوالي العادل لا يأخذ من المال إلا ما وجب أخذه فلذلك أجزأه أخذه ، فإذا ثبت وجوب النية ففي محلها وجهان : أحدهما : عند إخراجها ودفعها ، فإن نوى قبله أو بعده لم يجزه كالطهارة والصلاة .

والثاني : عند عزلها وقبل دفعها كالصيام ، وكذا في محل نية الكفارة وجهان ، فحصلت العبادات على ثلاثة أضرب : عبادة تفتقر إلى نية في ابتدائها كالطهارة والصلاة ، وعبادة لا [ ص: 179 ] تفتقر إلى نية في ابتدائها بل يجوز تقديمها كالصيام ، وعبادة مختلف فيها وهي الزكاة والكفارة ، وعلى كلا الوجهين لو نوى عند الدفع أجزأه ، ولو نوى بعده لم يجزه ، ولكن لو نوى بعد دفعها إلى وكيله ، فإن كانت نيته قبل صرفها إلى أهل السهمان أجزأه وإن كانت نيته بعد صرفها إليهم لم يجزه ، لأنها صارت مستهلكة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية