الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأحب أن يتولى الرجل قسمتها عن نفسه ، ليكون على يقين من أدائها عنه " .

قال الماوردي : وهذا صحيح .

والأموال ضربان : ظاهرة كالمواشي والزروع ، وباطنة كالدراهم والدنانير ؛ فأما الباطنة فلا يلزمه دفع زكاتها إلى الإمام ، ويجوز أن يفرقها بنفسه ، أو يدفعها إلى وكيله ، أو إلى الإمام [ ص: 186 ] العادل ، وهو مخير في الجواز بين هؤلاء الثلاثة : بين نفسه أو وكيله أو الإمام . فأما الأولى والأفضل فهو أولى من وكيله ؛ لأنه على يقين من فعل نفسه ، وفي شك من فعل وكيله ، والإمام أيضا أولى من وكيله ؛ لأن الزكاة تسقط عنه بدفعها إلى الإمام ، وإن لم يدفعها إلى المساكين ، ولا تسقط عنه بدفعها إلى الوكيل حتى يدفعها إلى المساكين فأما هو والإمام ففي أولاهما بتفريقها إذا كانت باطنة وجهان :

أحدهما : أن دفعها إلى الإمام أولى من تفريقها بنفسه ، لأمرين :

أحدهما : أنه أعرف بمستحقيها منه .

والثاني : أنها تسقط عنه في الظاهر والباطن ، وإذا فرقها بنفسه سقطت عنه في الظاهر دون الباطن .

والوجه الثاني : أن يفرقها بنفسه أولى ، لما علل به الشافعي من أنه على يقين من فعل نفسه ، وفي شك من فعل غيره ، فأما الأموال الظاهرة فللإمام أربعة أحوال :

أحدها : أن يكون عادلا في الزكاة وفي غيرها .

والثاني : أن يكون جائرا في الزكاة وفي غيرها .

والثالث : أن يكون عادلا في الزكاة جائرا في غيرها .

والرابع : أن يكون جائرا في الزكاة عادلا في غيرها ، فإن كان جائرا في الزكاة وفي غيرها ، أو جائرا في الزكاة عادلا في غيرها ، لم يجز دفعها إليه ، وفرقها رب المال بنفسه ، فإن دفعها إلى الإمام الجائر فيها لم تجزه ، وسنذكر ذلك في موضعه من قسم الصدقات ، وإن كان عادلا في الزكاة وفي غيرها فعلى قوله في القديم يجب دفع الزكاة إليه ، فإن فرقها رب المال بنفسه أو وكيله وهو قول مالك وأبي حنيفة ، وعلى قوله في الجديد لا يجب دفعها إليه ، وإن فرقها بنفسه أو وكيله جاز ، لكن دفعها إليه في المال الظاهر أولى من تفريقها بنفسه أو وكيله وجها واحدا ؛ ليكون خارجا من الخلاف في الإجزاء ، وعلى اليقين من أدائها ظاهرا وباطنا ، وإن كان عادلا في الزكاة جائرا في غيرها وجب على قوله في القديم دفعها إليه ولم يجز تفريقها بنفسه .

روي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت سعد بن مالك فقلت : عندي مال مجتمع يعني : من مال الصدقة ، وهؤلاء القوم كما ترى ، فما أصنع به ؟ قال : ادفعه إليهم قال : وسألت أبا سعيد الخدري فقال مثل ذلك ، وسألت أبا هريرة فقال مثل ذلك . وسألت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك .

[ ص: 187 ] فأما على قوله في الجديد ، فلا يجب دفعها إليه ، ويجوز أن يفرقها بنفسه ، وفي الأولى وجهان :

أحدها : دفعها إلى الإمام أولى .

والثاني : تفريقها بنفسه أولى ، وهذا مبني على اختلاف الوجهين في تأويل قوله عليه السلام في أول كتاب الزكاة ومن سأل فوقها فلا يعطه وقد مضى توجيه ذلك في موضعه . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية