الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولو حال عليها حول وجبت فيها الصدقة ، فإن كانت إبلا فريضتها الغنم بيع منها فاستوفيت صدقتها ، وكان ما بقي رهنا " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا رهن ماشية قبل حولها فرهنها صحيح ، وتجري في الحول ، فإذا حال حولها وجبت فيها الزكاة : لأن ملك الراهن عليها تام ، وإنما هو ناقص التصرف ، ونقصان التصرف لا يمنع وجوب الزكاة ، كالصبي والمجنون ، فإذا ثبت أن الزكاة فيها واجبة لم يخل حال الدين المرهون به من أحد أمرين : إما أن يكون حالا ، أو مؤجلا ، فإن كان حالا وجبت الزكاة ، فدفعها الراهن من ماله ، كان الرهن بحاله وإن أبى الراهن أن يخرجها من ماله ، وامتنع المرتهن أن يخرجها من رهنه ، فإن كان الراهن موسرا بها أجبر على دفعها من ماله ، لأنها من مؤنة الرهن ، وإن كان معسرا بها فعلى قولين : إن قيل الزكاة في العين بدئ بإخراج الزكاة وقدمت على حق المرتهن ، وإن قيل : إنها في الذمة بدأ بحق المرتهن وكانت الزكاة دينا في ذمته . وإن كان الدين مؤجلا لم يخل حال الزكاة والدين من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون حول الزكاة أسبق من حول الدين ، فيبدأ بإخراج الزكاة منها قبل الدين ، إلا أن يتطوع الراهن بدفع الزكاة من غيرها ، فيكون الرهن على جملته ، وإن أبى الراهن أخذت الزكاة من الرهن : لأن وجوبها أسبق من وجوب الدين ، فكانت أحق بالتقدمة ، وإذا أخذت الزكاة بطل الرهن فيها ، وكان الرهن ثابتا في الباقي ، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع لنقصان الرهن : لأن هذا النقصان بسبب حادث في يده ، كما لو ارتهن عبدا فقتل في يده بردة ، أو قطع بسرقة .

والقسم الثاني : أن يكون حلول الدين أسبق من حلول الزكاة ، فيقدم الدين لتقدم استحقاقه ، فإن بيع الرهن قبل الحول فلا زكاة ، وإن بقي على حاله حتى حال الحول ففيه الزكاة ، ويطالب بها الراهن لأنها من مؤنة الرهن كالسقي ، والعلوفة ، وأجرة الرعاة ، والحفظة .

[ ص: 207 ] والقسم الثالث : أن يكون حلول الدين وحلول الزكاة معا لا يسبق أحدهما الآخر ، فالزكاة واجبة ، فإن كان الراهن موسرا بها قادرا على دفعها من غير الرهن أخذت من ماله وكان الرهن معروفا في دينه ، وإن كان الراهن معسرا لا يجد غير الرهن ولا يملك سواه فهل يبدأ بإخراج الزكاة أو بدين المرتهن ؟ على قولين مبنيين على اختلاف قوله في وجوب الزكاة في الذمة أو في العين ، فإذا قيل بوجوب الزكاة في العين وجب تقديم الزكاة ، وإذا قيل بوجوبها في الذمة وجب تقديم المرتهن ، وقد خرج قول ثالث أنهما سواء ويقسط ذلك بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية