الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وما نتج منها خارجا من الرهن ولا يباع منها ماخض حتى تضع إلا أن يشاء الراهن " .

قال الماوردي : وهاتان المسألتان من غير الزكاة وإنما ذكرهما في غير الموضع لتعلقهما بما قبلهما ، فإذا رهن جارية فولدت أو ماشية فنتجت فالولد والنتاج خارج من الرهن ، وقال أبو حنيفة : " يكون ذلك رهنا تبعا لأصله " وسنذكر الحجاج عليه في كتاب الرهن إن شاء الله .

فإن قيل : فإذا كان النتاج تابعا للأمهات في الزكاة فهلا كان تابعا لها في الرهن : قيل :

: لأن الرهن عقد والنتاج لم يدخل في العقد ، والزكاة لأجل الملك والنتاج داخل في الملك ، فإذا ثبت أن النتاج لا يدخل في الرهن ، انتقل الكلام إلى المسألة الثانية وهو قوله : ولا تباع ماخض حتى تضع ، ولها مقدمة وهي اختلاف قول الشافعي في الحمل هل يكون تبعا أو يأخذ قسطا من الثمن ؟ فأحد القولين : أنه يكون تبعا لا حكم له بنفسه كسائر الأعضاء : لأن عتق الأم يسري إليه كما يسري إلى جميع الأعضاء ولا يسري إليه إذا كان منفصلا ، فعلم أنه قبل الانفصال يكون تبعا .

والقول الثاني : أنه يأخذ قسطا من الثمن ويفرد حكمه بنفسه : لأن عتق الحمل لا يسري إلى عتق أمه ، ولو كان كسائر أعضائها لسرى عتقه إلى عتقها .

فإذا تقرر هذان القولان فصورة المسألة : أن تكون الماشية المرهونة حوامل ويأبى الراهن البيع حتى تضع ، ثم يبيعها حوامل ، فلا يخلو حالها عند عقد الرهن وحلول الحق من أربعة أقسام : إما أن تكون حوامل في الحالين ، أو حوايل في الحالين ، حوامل في الوسط أو حوامل عند عقد الرهن ، حوايل عند حلول الحق ، أو حوايل عند عقد الرهن حوامل عند حلول الحق .

[ ص: 208 ] فالقسم الأول : أن يعقد عليها وهي حوامل ويحل الحق وهي أيضا حوامل ، فالواجب أن تباع وهي حوامل ، سواء قيل : إن الحمل تبع أو له قسط من الثمن : لأنه إن كان تبعا في العقد كان تبعا للبيع ، وإن كان داخلا في العقد كان داخلا في البيع ، لاستواء الطرفين .

والقسم الثاني : أن يعقد عليها وهي حوايل ثم تحمل وتضع ويحل الحق وهي حوايل ، فالواجب أن تباع الأمهات دون النتاج على القولين معا ، لاستواء الطرفين .

والقسم الثالث : أن يعقد عليها وهي حوامل ثم تضع ويحل الحق وهي حوايل فهل تباع مع الأمهات أم لا ؟ على قولين : إن قيل : إن الحمل تبع فهي خارجة عن الرهن لا تباع مع الأمهات : لأنها دخلت في العقد عند اتصالها تبعا ، فإذا انفصلت لم تكن تبعا وإن قيل : إن الحمل ينفرد حكمه بنفسه ويأخذ قسطا من العقد بيعت مع الأمهات لاشتمال العقد عليها . والقسم الرابع : أن يعقد عليها وهي حوايل ويحل الحق وهي حوامل فهل تباع وهي حوامل أم حتى تضع ؟ على قولين : إن قيل : إن الحمل تبع بيعت حوامل ، فإن تأخر بيعها حتى وضعت لم يبع الحمل معها ، وإن قيل : إن الحمل يأخذ قسطا من العقد وينفرد حكمه بنفسه لم تبع وهي حوامل حتى تضع ، فإذا وضعت بيعت : لأنه لا يمكن بيعها دون حملها ، ولا يستحق المرتهن أن يبيعها مع حملها ، فوجب الوقوف إلى حين الوضع ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية