الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما المزني فإنه لما رأى الشافعي ذكر حال قسمتهم قبل بدو الصلاح وبعده اعترض عليه وقال : هذا غير جائز على أصله : لأن القسمة عنده بيع ، وبيع الثمار بالثمار جزافا لا يجوز ، فكذلك القسمة ، قال ولئن أجازها : لأن معها جذوعا لم يجز أيضا كما لا يجوز عنده بيع ثوب ودرهم بثوب ودرهم ، سواء كان ما فيه الربا تبعا له أو غير تبع ، فهذا اعتراض المزني ، والجواب عن ذلك أن للشافعي في القسمة قولين :

أحدهما : أنه إقرار حق وتمييز نصيب قاله في كتاب الصرف ، فعلى هذا يجوز قسمة الثمار بالثمار كيلا ووزنا وجزافا ، فعلى هذا القول سقط اعتراض المزني .

والقول الثاني : أنها تبع فعلى هذا قد تصح قسمة ثمار النخل بينهم من وجوه يسقط بها اعتراض المزني وإنكاره على الشافعي تصور هذه المسألة وتصحيح القسمة ، فإن كانت الثمرة بادية الصلاح صحت القسمة بينهم من خمسة أوجه :

أحدها : أن يكون في التركة نخل مثمر وعروض ، فيبيع أحدهم حصته من العروض بحصة شريكه من النخل والثمرة ، فيصير لأحدهم جميع النخل والثمرة وللآخر جميع العروض .

والثاني : أن تكون النخل نوعين حاملا وحائلا فيبيع أحدهما حصته من النخل الحائل بحصة شريكه من النخل الحامل والثمرة فيحصل النخل الحامل بثمرته لأحدهما والنخل الحائل بانفراده للآخر ، وهذان الوجهان غير مقنعين : لأنهما بيع جنس بغيره ، وليسا قسمة جنس واحد ولكن ذكرهما أصحابنا فذكرناهما .

والثالث : وهو في معناهما : أن تكون النخل في التقدير نخلين شرقي وغربي فيبيع أحدهما حصته من النخل الغربي وثمرته بدينار ، ويبتاع من شريكه حصة من النخل الشرقي وثمرته بدينار ، فيحصل النخل الشرقي مع ثمرته لأحدهما وعلى الشركة دينار والنخل الغربي مع ثمرته للآخر وعليه لشريكه دينار فيتقاضيان الدينار .

والرابع : أن يبيع أحدهما حصته من النخل الشرقي بحصة شريكه من ثمرة النخل الغربي ، ويبتاع حصة شريكه من النخل الغربي بحصته من ثمرة النخل الشرقي ، فيصير النخل الشرقي مع ثمرته لأحدهما والنخل الغربي مع ثمرته للآخر .

والخامس : أن يبيع أحدهما حصته من النخل الشرقي بحصة شريكه من ثمرة النخل الشرقي ، ويبتاع حصته شريكه من النخل الغربي بحصته من النخل الغربي ، فيحصل لأحدهما النخل الشرقي مع ثمرة النخل الغربي ، وللآخر النخل الغربي مع ثمرة النخل الشرقي ، فتحصل ثمرة كل واحد منهما على نخل شريكه ، وله تبقيتها إلى وقت الصرام ، إلا [ ص: 216 ] أن يشترطا في القسمة قطعها في الحال ، فهذا في الثمرة إذا كانت بادية الصلاح فأما التي لم يبد صلاحها بعد فتخريج هذه الوجوه في صحة قسمتها يبنى على أربعة أحوال :

أحدها : أن يبيعها مفردة من غير شرط القطع لا يصح .

والثاني : أن يبيعها تبعا للنخل من غير شرط القطع يصح .

والثالث : أن شرط القطع مع الإشاعة فيها لا يصح .

والرابع : أن يبيعها مفردة من صاحب النخل من غير شرط القطع على وجهين .

أحدهما : لا يصح كغيره .

والثاني : يصح لحصول الثمرة والأصل في ملك رجل واحد فيصير تبعا للأصل ، فإذا تقررت هذه الأصول صح في قسمتها الوجه الأول والثاني والثالث والرابع على وجهين والخامس لا يصح وذلك يتبين بالتأمل والفكر فتأمله تجده صحيحا ، وعلى ما قررناه جاريا إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية