الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث مع ابن رواحة غيره ( قال الشافعي ) وفي كل أحب أن يكون خارصان أو أكثر وقد قيل : يجوز خارص واحد كما يجوز حاكم واحد " .

قال الماوردي : اعلم أن قوله : " وأحب أن يكون خارصان أو أكثر " دليل على أن الخارص الواحد يجزئ ، وقوله : وقد قيل : يجوز أن يكون خارص دليل على أن الخارص الواحد لا يجزئ ، فاختلف أصحابنا فيمن يصح الخرص به ، فكان أبو العباس بن سريج وأبو سعيد الإصطخري يقولان : يجوز خارص واحد ، وليس في المسألة قول آخر ، وكان أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة يقولان : المسألة على قولين ، وهو قول جمهور أصحابنا ، أحد القولين : إنه لا يجزئ إلا خارصان لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث مع ابن رواحة غيره ، وقد قيل : بعث معه سهل بن أبي حثمة ، فإذا كان جواز الخرص حكما مستفادا بالشرع ، وجب المصير إليه على ما ورد الشرع به ، ولأن الخرص اجتهاد في معرفة القدر وتمييز الحقوق فشابه التقويم وخالف الكيل والوزن ، لأنهما يقين لا اجتهاد فيهما ، فلما ثبت أن التقويم لا يجزئ فيه إلا مقومان فكذا الخرص لا يجزئ فيه إلا خارصان .

والقول الثاني : يجزئ خارص واحد لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة خارصا فخرص خيبر وقال : " إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي " .

وروي أنه بعث معه غيره ، فلو أن الاثنين شرط لما بعثه منفردا ، ولو كانا شرطا في عام لكانا شرطا في كل عام ، ولأن الخارص مجتهد في تقدير الحقوق ، وتنفيذ الحكم موقوف عليه [ ص: 234 ] دون غيره فشابه الحاكم ، وخالف المقوم حيث لم ينفذ الحكم به إلا بتنفيذ الحاكم له ، ثم ثبت أنه يجزئ حاكم واحد ، فكذلك يجزئ خارص واحد ، سواء كان رب المال صغيرا أو كبيرا ، لا كما غلط بعض أصحابنا ففرق بين الصغير والكبير ، فلم يجوز خرص مال الصغير إلا باثنين ، وجوز خرص مال الكبير بواحد : لأنه رأى الشافعي في " الأم " فرق بينهما ، وهذا غلط : لأن الخرص إما أن يكون كالحكم يجزئ بواحد في مال الصغير والكبير أو يكون كالتقويم ، والتقويم لا يجزئ إلا باثنين في مال الصغير والكبير .

والشافعي إنما فرق بينهما في " الأم " في جواز تضمين الكبير ثماره بالخرص دون الصغير ، فوهم عليه ، فهذا التأويل في إعداد الخرص .

التالي السابق


الخدمات العلمية