الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولا تؤخذ صدقة شيء من الشجر غير العنب والنخل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكلاهما قوت ولا شيء في الزيتون : لأنه يؤكل أدما ولا في الجوز ولا في اللوز وغيره مما يكون أدما وييبس ويدخر : لأنه فاكهة : لأنه كان بالحجاز قوتا علمناه ولأن الخبر في النخل والعنب خاص " .

قال الماوردي : اعلم أن ما تنبته الأرض نوعان زرع وشجر ، فالزرع يأتي حكمه ، والشجر ينقسم في الحكم ثلاثة أقسام ، قسم لا يختلف مذهب الشافعي وغيره أن زكاته واجبة ، وهو النخل والكرم وقد مضى الكلام فيهما ، وقسم لا يختلف مذهب الشافعي أن لا زكاة فيه وإن خالفه غيره وهو الرمان ، والسفرجل ، والتفاح ، والمشمش ، والكمثرى ، والجوز ، والخوخ ، واللوز ، وما عدا ما ذكر في القسم الماضي وما يذكر في القسم الآتي ، وقسم اختلف مذهب الشافعي في بعضه وعلق القول في بعضه ، وهو أربعة أجناس الزيتون ، [ ص: 235 ] والورس ، والزعفران والقرطم ، وعلق القول في خامس ليس من جنسها وهو العسل ، فأما الزيتون فله في إيجاب زكاته قولان :

أحدهما : وهو قوله في القديم فيه الزكاة ، وبه قال مالك : لقوله تعالى : وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده " ، [ الأنعام : 141 ] ، فاقتضى أن يكون الأمر بإتيان الحق راجعا إلى جميع المذكور من قبل .

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى عامله بالشام أن يأخذ زكاة الزيتون .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : في الزيتون العشر ، ولا مخالف لهما في أصحابه فكان إجماعا ، ولأن عادة أهل بلاده جارية بادخاره واقتنائه كالشام وغيرها مما يكثر نبات الزيتون بها ، فجرى مجرى التمر والزبيب ، فاقتضى أن تجب فيه الزكاة .

والقول الثاني : نص عليه في الجديد وهو الصحيح .

وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن أبي صالح لا زكاة فيه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : " لا تأخذ العشر إلا من أربعة : الحنطة ، والشعير ، والنخل ، والعنب " ، فأثبت الزكاة في الأربعة ونفاها فيما عدا ذلك ، ولأنه قد كان موجودا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما افتتحه من مخاليف اليمن وأطراف الشام ، فلم ينقل أنه أخذ زكاة شيء منه ، ولو وجبت زكاته لنقلت عنه قولا وفعلا كما نقلت زكاة النخل والكرم قولا وفعلا ، ولأنه وإن كثر من بلاده فإنه لا يقتات منفردا كالتمر والزبيب ، وإنما يؤكل أدما ، والزكاة تجب في الأقوات ولا تجب في الإدام ، فإذا ثبت توجيه القولين فإن قلنا إنه لا زكاة فيه فلا مسألة ، وإن قلنا فيه الزكاة فلا شيء فيما دون خمسة أوسق للخبر ، فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة حينئذ ، ولا يجوز خرصه : لأن الزيتون مستتر بورقه لا يمكن الإحاطة بمشاهدته ، وليس كالنخل والكرم البارز الثمر الذي يمكن الإحاطة به ، ثم له حالان :

أحدهما : أن يكون مما يصير زيتا .

والثاني : أن يكون مما لا يصير زيتا ، فإن كان مما لا يصير زيتا اعتبر فيه خمسة أوسق منه ، وأخذ عشره زيتونا ، وإن كان مما يصير زيتا فعلى قولين :

أحدهما : يعتبر فيه خمسة أوسق زيتا : لأن الزيت حالة ادخاره كالتمر ، فعلى هذا يؤخذ عشره زيتا لا غير .

والقول الثاني : يعتبر فيه خمسة أوسق زيتونا : لأن الزيت مستخرج من الزيتون بصنعة وعلاج فلم يكن كحاله كالدبس والدقيق ، فعلى هذا يأخذ عشره زيتونا لا غير .

[ ص: 236 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية